هناك مقولة من سنوات إن البلد تغرق فى شبر ميه، تتردد وتتكرر مع كل مطر قليل أو كثير، مع أننا لسنا بلدا ممطرا، مثل دول أخرى يتساقط فيها المطر بانتظام، ومع هذا إذا حدث وتساقطت الأمطار يحدث ما رأيناه خلا اليومين الماضيين.
تساقطت أمطار كانت متوقعة بتقارير الأرصاد، وبدلا من أن تتحول مياه الأمطار إلى ثروة يمكن توظيفها أو تخزينها، نغرق فى شبر ميه، ونغرق فى فوضى بسبب الفشل المزمن للمحليات والأحياء والمدن والقرى.
كان المطر متوقعا، ومع هذا رأينا شللا تاما فى الشوارع الرئيسية والفرعية، وأعطالًا فى الخط الهوائى لمترو الأنفاق، الخط الأول، وشهدت بنفسى عشرات الآلاف من الركاب تكدسوا فى محطة السيدة زينب بسبب عطل استمر 3 ساعات، وهو عطل تكرر من قبل مرات.. خرج ركاب المترو المعطل ومشوا فى المياه والطين ليتجهوا إلى الكورنيش، وانضموا لعشرات الآلاف من المواطنين فى الشوارع الرئيسية، التى أصابها الشلل التام..مداخل ومخارج ومطالع ومنازل الدائرى والكبارى بحيرات متنوعة، وطبعا هناك إعلانات وتصريحات متعددة من قبل عن خطة لإصلاح وإنقاذ الشبكة الهوائية للخط الأولى التى تعانى، ومع ذلك فإن العطل تسبب فى مضاعفة آلام الركاب.
فى المدن الجديدة ظهرت بعض المناطق المنخفضة وقد ملأتها المياه، وغرقت السيارات، وكانت هناك شكاوى متعددة من إهمال رئيس مدينة القاهرة الجديدة، وتقاعسه وتجاهله استغاثات المواطنين، ورأينا وزير الإسكان بنفسه يشرف على رفع المياه من القاهرة الجديدة، اعترافا بغياب وعجز الجهاز عن القيام بواجبه.
النتيجة التى رأيناها بسبب الأمطار شلل تام فى الشوارع، وما جرى فى القاهرة تكرر فى المحافظات، والأمر الواضح هو فشل المحليات، وغياب رؤساء الأحياء عن أداء دورهم الطبيعى، والاستعداد لمثل هذه الأمطار وغيرها، وهى معادلة معروفة منذ سنوات، وتتكرر فى كل مطر، وحتى فى غياب الأمطار فإن أحياء القاهرة تعانى من الإشغالات والتكدس والمرور المرتبك، وفوضى التوك توك واحتلال الشوارع وإغلاق الأرصفة.
نلف وندور ونتحرك ونتجادل وهناك نقطة واضحة وضوح الشمس، تبدأ عندها المشكلات وتنتهى، المحليات.. الأحياء.. أجهزة المدن، وهؤلاء الكسالى الفاشلون يضيعون أى جهد، ويهدرون كل ميزة، ناهيك عن شيوع الفساد، وتعطيل مصالح الناس، وفرض مخالفات على السليم، وترك المخالف.. بسببهم ضاعت الأرض الزراعية أمام زحف العمران العشوائى.
ومهما كانت البنية الأساسية، لن تصمد من دون صيانة ومتابعة، وأن يقوم كل رئيس حى بدوره ومعه جيوش الموظفين والفنيين، لا فرق هنا بين حى عين شمس أو دار السلام بالقاهرة، ولا بين مدينة فى الدلتا وقرية فى الصعيد وحى بالإسكندرية، ولا المدن الجديدة، حيث الفوضى تحكم وتسود وتفرض قوانينها على المواطنين، وسط تجاهل تام من قبل السادة رؤساء الأحياء والمدن والقرى.. هؤلاء الذين لايمارسون دورا سوى خلع وتركيب الأرصفة فى الأماكن السليمة، ويتركون ما يستحق الصيانة، ويتجاهلون الإشغالات والاعتداءات.
رؤساء المدن والأحياء، منزوعو «الضمير»، يتجاهلون أزمات المواطنين ومشاكلهم، ويختفون فى مكاتبهم المكيفة، بعيدا عن أى ضجيج، «تنابلة» المحليات هم السبب الأول والأخير لإفشال أى منظومة للتحديث، وهم السبب الرئيسى لثلاثة أرباع الغضب والإحباط لدى المواطنين، وأيضا بسبب فشلهم يتم ترحيل المطالب الحكومة.. مرات كثيرة تحدثنا وغيرنا عن الإهمال والكسل والتواطؤ من رؤساء ومجالس الأحياء والمدن، وفوضى الإشغالات وغياب القانون فى الأحياء والمدن والقرى، الشوارع تخضع لسطوة الإشغالات تحت سمع وبصر المحليات، التى تبدو فى كثير من الأحيان كأنها تشجع العدوان وتساعد المعتدين.. هذه التفاصيل موجودة ومعروفة للمحافظين وللحكومة، هذا الإهمال مثل الإرهاب، يضيع الكثير من الجهود التى تبذلها الدولة فى البناء والبنية الأساسية والطرق والكبارى والمدن.
وربما لو غاب هؤلاء الفاشلون قد تكون النتيجة أفضل من حضورهم، ويفترض أن يتخذ رئيس الوزراء ووزير التنمية المحلية قرارات واضحة بشأن هذا الإهمال، لأن أغلب مشكلات الناس المواطنين فى الأحياء والمدن والقرى تأتى من الفشل والغياب لرؤساء الأحياء والمدن والقرى، ومن المحليات تبدأ مشكلاتنا ولاتنتهى، وقد تكون قرارات إقالة رؤساء الأحياء الفاشلين ومحاسبتهم على إهمالهم بداية أى تحرك نحو المستقبل، ومن دون ذلك سنظل نغرق فى شبر ميه.