تحظى "الرواية البوليسية" فى الغرب باهتمام كبير من المبدعين وإقبال من القراء، غير أن مشهدها فى الإبداع المصرى والعربى يبدو مغايرا، حتى تساءل الكاتب الكبير يوسف القعيد مؤخرا، "أين الرواية البوليسية؟"، مشيرا لأعمال فى الغرب يشترك فى كتابتها عدة مؤلفين، مثل "البرىء وعدالة الموت"، وهو عمل يدور حول "لغز واحد" اشترك فى كتابته 26 كاتباً.
ويقول القعيد إن الروائى الراحل فتحى غانم باح له برغبته فى "تجريب كتابة الرواية البوليسية"، فإن تكنيكات الحكايات البوليسية حاضرة فى إبداعات للأديب النوبلى المصرى نجيب محفوظ صاحب رائعة "اللص والكلاب" مع قابليتها لتأويلات متعددة من جانب النقاد والقراء، فيما يعيد يوسف القعيد للأذهان أن تراثنا العربى "ملىء بالألغاز والأحاجى والأسئلة التى تهدف لإثارة خيال القارئ".
والواقع قد يكون بالفعل أغرب من خيال مؤلفى الروايات البوليسية، وأحيانا يقدم غرائب تلهم هؤلاء المؤلفين بمزيد من القصص والروايات، وها هى وسائل الإعلام الغربية تتحدث الآن عن سقوط من وصفته بالقاتل الذهبى فى الولايات المتحدة بعد بحث استمر 40 عاما، فيما كانت الجرائم التى ارتكبها مصدر إلهام كتاب يدخل الآن فى قوائم أعلى مبيعات الكتب فى الغرب وهو بعنوان "سأذهب فى الظلام" لميشيلى مكنمارا، وهى مدونة وكاتبة بوليسية أمريكية قضت عام 2016.
وإذ صدر هذا الكتاب قبل التوصل للقاتل الذهبي، كما رحلت مؤلفته قبل نشره، أسهبت بعض وسائل الإعلام فى الغرب والتى توصف بـ"المهمة" فى تناول هذه القصة بعد أن تمكنت الشرطة الأمريكية فى مدينة "ساكرامنتو" مؤخرا من التوصل للمتهم بارتكاب سلسلة من جرائم القتل والاغتصاب والسطو فى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضى وتبين أنه ضابط شرطة سابق يدعى جيمس دى انجليو ويبلغ من العمر الآن 72 عاما.
وفى هذه القضية المثيرة للتوصل لمتهم بارتكاب جرائم بعضها وقعت منذ أكثر من 40 عاما استخدمت الشرطة تحليلات "الحمض النووى"، فيما قال ممثل الادعاء إن هناك جرائم أخرى قد تضاف لقائمة الاتهامات المنسوبة لجيمس دى انجليو الذى أقيل من الشرطة عام 1979 بعد إدانته بالسرقة من أحد المتاجر.
وكثيرا ما تكون الروايات البوليسية أول نافذة يطل منها أطفال ومراهقون على عالم الأدب، فيما قد يتحول بعضهم إلى كتاب كبار ويتوجون حتى بجائزة نوبل فى الآداب كما هو حال كازو ايشيجورو، الذى توج بهذه الجائزة فى العام الماضى، وكان قد وقع فى هوى الأدب منذ أن صافحت عيناه قصص شرلوك هولمز البوليسية وهو طفل فى التاسعة من عمره.
وفيما باح كازو ايشيجورو اليابانى الأصل لجريدة "التايمز" البريطانية بأنه بدأ يتصرف أيضا فى أيام الصبا مثل أبطال القصص التى كان يلتهمها فى المكتبة العامة القريبة من منزله فى بريطانيا، فإن الشاعر الانجليزى دافيد هارسنت صاحب ترجمة بعض مختارات للشاعر اليونانى الكبير يانيس ريتسوس عرف أيضا الكتابة الروائية البوليسية.
ويوصف دافيد هارسنت الذى ولد عام 1942 بأنه من أهم شعراء إنجلترا، وأصدر تسع مجموعات شعرية من بينها "أحلام الموتى"، و"أخبار من الجبهة"، و"زواج" و"الفيلق" وتراوح قصائده ما بين الحب والحرب كقضيتين إنسانيتين ونال العديد من الجوائز الأدبية من بينها جائزة "فورورد"، كما يمارس الكتابة الدرامية وله بعض القصص البوليسية.
وفى الغرب ليست وحدها الناقدة فى صحيفة "الجارديان" البريطانية لورا ويلسون من تعتبر أن أنسب هدايا الكتب فى سياق احتفالات أعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة والمناسبات والأعياد الأخرى هى كتب المغامرات المثيرة والقصص البوليسية المشوقة.
ولا يمكن بأى حال من الأحوال الولوج لعالم القصص والروايات البوليسية دون التوقف عند آجاثا كريستى التى تعد أشهر من كتب الروايات البوليسية فى بريطانيا والعالم حتى وصفت بأنها أعظم مؤلفة روايات بوليسية فى التاريخ، فيما كتبت أيضا بعض الروايات الرومانسية ولكن باسم مستعار هو مارى ويستماكوت.
والراحلة آجاثا كريستى التى قدمت لعالم الرواية البوليسية 66 رواية، فضلا عن 14 مجموعة قصصية إضافة لعدة مسرحيات وقصص قصيرة حاضرة دوما فى ذاكرة الأدب وعشاق الروايات البوليسية وقصص التشويق وتخطت مبيعات بعض رواياتها ال100 مليون نسخة بينما ازداد حضورها توهجا هذا العام مع احتفال المنتديات الأدبية ووسائل اعلام كبرى فى بريطانيا والغرب بذكرى مرور ربع قرن على رحيلها عن الحياة الدنيا.
وبالتأكيد فإن سيدة الرواية والقصص البوليسية وصاحبة "اختفاء كل شىء"، آثرت الفن السابع أو "السينما" بإبداعاتها، فيما كانت صاحبة "قضية ستايلر الغامضة" و"جريمة فى بلاد الرافدين" و"لغز القطار الأزرق" و"انتقام العدالة"؛ مهمومة بفكرة العدالة.
وحتى الآن مازالت آجاثا كريستى صاحبة "مصيدة الفئران" و"جريمة فى القرية" و"موت فوق النيل" و"لغز الكاريبى" تشكل مصدر إلهام لكتاب وباحثين فى مجالات متعددة ينقبون فى حياتها الثرية من زوايا متعددة من بينها مثلا هوايتها الأثيرة لرياضة ركوب الأمواج المتكسرة.
فآجاثا كريستى كانت عاشقة لحد الجنون لرياضة ركوب الأمواج المتكسرة ورائدة لهذه اللعبة المائية المفعمة بالإثارة كرواياتها البوليسية حسب دراسة دراسة أعدها بيت روبينسون مؤسس المتحف البريطانى لركوب الأمواج المتكسرة.
وحسب هذه الدراسة فإن صاحبة "جريمة فى قطار الشرق السريع"، كانت تعشق ممارسة هذه الرياضة المائية فى كيب تاون بجنوب افريقيا وجزر هونولولو بعد الحرب العالمية الأولى وبدت حريصة على تشجيع البريطانيين لممارسة ركوب الأمواج المتكسرة على الألواح الخشبية كرياضة مفعمة بالاثارة والمغامرة والبهجة.
ويبدو أن هناك علاقة وثيقة بين الميول الروائية والرياضية لآجاثا كريستى التى ولدت عام 1890 وقضت فى مطلع عام 1976 وقد اتاح لها زوجها الثانى عالم الآثار ماكس مالوان التجول فى العديد من بلاد الشرق ومن بينها مصر والعراق وسوريا حيث كتبت اجمل قصصها واكثرها اثارة وغموضا مشوقا بلغة متدفقة سيالة بخيال جامح وقدرة فذة على ابتكار شخصيات فريدة مثل المفتش هركول ومس جين ماربل.
وإلى جانب رياضة ركوب الأمواج المتكسرة-كانت اجاثا كريستى التى ترجمت رواياتها لأكثر من 100 لغة وتجاوزت مبيعاتها المليار نسخة تهوى التنقيب الأثرى والتصوير الفوتوغرافى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة