أفسدوا كل شىء وأضاعوا كل الفرص، وأتلفوا كل الأسلحة وحرقوا كل الأرض وقطعوا كل جسور الثقة والتواصل مع قطاعات كبيرة من أهل مصر، لم يتركوا لأنفسهم بابًا يطرقون عليه ومنه يمرون سريعًا إلى عقول وقلوب الناس، أساءوا استغلال كل أدوات الاتصال والتواصل مع الشعب حتى صار اعتراضهم مشكوكًا فى نواياه، وأصبحت سخريتهم مثيرة للشفقة والقرف، لا منعشة ولا ضاحكة تحرج السلطة وتدعو المواطن للتفكير.
فى مصر طائفة تهوى الفشل، تعشق ابتذال كل سلاح فى يدها حتى تصيبه بالصدأ، فتفسده على نفسها وتفسده على الآخرين، طائفة تضم الكثير من الإخوان والعديد ممن تلذذوا بحمل لقب شباب الثورة أو نشطاء السوشيال ميديا ومعهم الكثير ممن يسعدهم حمل لقب رموز المعارضة، بينما هم لا يعارضون سوى المنطق وأنفسهم.
هذه الطائفة أفسدت على أهل مصر الكثير من الفرصة والأدوات المستخدمة فى إحياء العملية السياسية، واعتدال الكفة بين الشعب والسلطة، أفسدوا على المصريين حقهم فى التظاهر حينما ابتذلوا فكرة الخروج إلى الميادين وجعلوها عادة تمنحهم الشهرة والأضواء بغض النظر عن تحقيق الهدف المرجو منها، وجعلوا من فعل التظاهر أمرًا قرينًا بالعنف وتعطيل المصالح وبؤرة للشتائم بدلًا من أين يكون فعلًا هدفه عرض المطالب والهتاف لتحقيقها.
بنفس الطريقة أفسدوا على الناس مفهوم الديمقراطية حينما جعلوها سلاحًا لطعن المواطن لا درعًا للدفاع عنه، كانوا إذا خرج المواطنون للتصويت فى استحقاق دستورى أو انتخابى على هواهم وصفوهم بأنهم شعب عظيم، وإن جاءت النتيجة وفق هواهم وصفوا الشعب بأنه واعٍ، وكانوا إذا اصطف الناس فى طوابير انتخابية ليست على هوى مصالحهم وصفوا الطوابير بأنها للرقص، وإذا جاءت النتائج الانتخابية على خلاف مصالحهم وصفوا الشعب بأنه لا يملك الوعى وتحركه الرشاوى الانتخابية، حتى كفر الناس بهم وأدركوا أن لعبة الاختيار بين متعدد بحرية، لعبة مشروطة بمصالح البعض أكثر من مصالح الوطن.
الآن يفقدون الأداة الأخيرة، ويفسدون على أهل مصر سلاحهم التاريخى فى انتقاد السلطة وهو سلاح السخرية، يعرف التاريخ الشعب المصرى بأنه ابن نكتة قاسية ولاذعة، وتعرف هدفها فى انتقاد الأوضاع وتصحيحها، ولكن طائفة تحالف الإخوان مع النشطاء أفسدوا على المصريين سلاحهم حينما ابتذلوه، حينما حولوا السخرية من سلاح للانتقاد هدفه إيقاظ السلطة أو المنتقد لإصلاح الخطأ إلى لعبة «قلش» هدفها جلب المزيد من اللايك والشير وتشويه كل شىء ممكن بغض النظر عن المصلحة العامة.
أصبح «القلش» والسخرية هدفًا فى حد ذاته، وبالتالى لم تعد النكتة بنت الواقع أو المعطيات المطروحة وحملوها بمزيج من التجاوزات والألفاظ وقلة الأدب بشكل دفع النكتة للانحراف عن هدفها فى تصحيح الأوضاع وإيقاظ المخطئ بالصدمة.
السخرية ليست جريمة وليست عيبًا، هى سلاح سياسى قوى، ولكن ابتذالها وسوء استخدامها يفقدها معناها وهدفها، فرق كبير بين السخرية كأداة مشروعة للنقد والتصويب والسخرية المبتذلة لملئ الفراغ والتسالى، الأولى تحقق هدفها والثانية نتائجها على أرض الواقع صفر بخلاف تدميرها للعديد من القيم والفرص، السخرية كأداة سياسية مشروعة يعززها وجود فعلى للمعارضة بين الناس والجماهير بينما السخرية بهدف التغطية على غياب الأرضية الشعبية للمعارضة والنشطاء يفضحها انفصالها عن الواقع.
الغاية الكبرى من السخرية تحقيق الوعى وإيجاد اليقظة، ويخبرنا المبدع الإيرانى محمد رضا أصلانى بأن الناقد واجب عليه ألا يخلط السخرية الأصلية بالهزل، والفكاهة، لأن الفرق بين هذه الأنواع كبير وحدها السخرية من بينهم تتكفل برسالة اجتماعية، ولاتنحصر فى مزاح ماجن، أو حتى مزاح طريف».
السخرية الناجحة يا عزيزى يجب أن تکون فارغة من الدوافع الشخصية، والعقد النفسية، بعيدة عن قبح التعبير واللفظ، ويجب أن تستند إلى أساس فکرى، وسياسى صحيح وقويم، كما يجب ألا يغفل صاحبها، المقتضيات الزمانية والمكانية، کى يصل إلی غاياتها الإنسانية العليا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة