تاريخية فعلا.. ينطبق وصف قمة تاريخية على لقاء الرئيس الكورى الشمالى كيم جونج أون، مع نظيره الكورى الجنوبى مون جاى. لقد تم انتهاك الكثير من المصطلحات والكلمات الكبيرة من كثرة استعمالها أو وضعها فى غير مكانها، لكن اللقاء بين زعيمى الكوريتين يعتبر تاريخيا، لأنه يحدث بعد 65 عاما على الحرب التى انتهت بالتقسيم، وكانت جزءا من الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتى، والتى قسمت العالم ووضعته مرات على شفا حرب نووية مدمرة، وكانت الحرب الكورية إحدى مراحل الحرب الكبرى بين القطبين، والتى استمرت عقودا حتى انتهت بداية التسعينيات بخروج الاتحاد السوفيتى وانفراد الولايات المتحدة.
ظلت كوريا الشمالية ضمن الملفات العالقة، أو أحد آخر جيوب الحرب الباردة، وظل برنامجها النووى والصاروخى ضمن التهديدات القائمة، وتم فرض حصار على بيونج يانج، وظلت شبه الجزيرة الكورية قابلة للاشتعال، حيث نفذت بيونج يانج تجارب نووية، وأطلقت صواريخ عابرة للقارات فى عهد الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، والذى نجح فى عقد اتفاق مع إيران وعجز عن التقارب مع بيونج يانج.
وصل الأمر ذروته مع وصول الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، حيث تصاعدت التهديدات، مصحوبة بصواريخ كورية، حتى بدأت الرسائل المتبادلة والإعلان عن اللقاء المرتقب. أعلن مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية مايك بومبيو فى مارس الماضى، أن الاجتماع المتوقع بين ترامب وكيم جونج ليس مجرد استعراض، وأن الولايات المتحدة تتوقع من كوريا الشمالية وقف كل التجارب النووية والصاروخية قبل أى اجتماع، وأن المناورات الأمريكية حول شبه الجزيرة الكورية ستستمر خلال فترة الاستعداد للمحادثات. وقال ترامب إن محادثاته مع زعيم كوريا الشمالية قد تنتهى دون التوصل لاتفاق أو تؤدى إلى «أعظم اتفاق للعالم» بإخلاء شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووى، بينما كوريا الشمالية تتحدث عن اتفاق يكون البرنامج النووى جزءا من تفاصيله.
نحن أمام لعبة شطرنج بين طرفين فى الواقع ليسا متكافئين، لكن الصواريخ النووية الكورية تجعل من بيونج يانج طرفا يمتلك أوراقا ولديه مطالب وشروط، بينما الولايات المتحدة تتحدث عن فرض قانونها وسلطتها.
اللقاء بين كيم جونج أون، ونظيره الكورى الجنوبى مون جاى يبدو فى جزء منه تمهيدا لما يمكن أن تسفر عنه المباحثات مع الولايات المتحدة، وخطوة نحو كسر الحواجز النفسية بين الجارتين، ويفتح باب الحديث أكثر فيما يمكن أن يحدث، خلال الشهر القادم.
كيم جونج أون هو أول زعيم كورى شمالى يعبر خط الحدود العسكرية ويدخل الجانب الكورى الجنوبى من المنطقة المنزوعة السلاح، ومن المتوقع أن يبحث رئيسا الكوريتين قضايا تحسين العلاقات بين الشمال والجنوب، والسلام وهناك إشارات إلى آفاق إعادة توحيد الكوريتين، وهو أمر قد يبدو مستحيلا، لكن اللقاء بين الكوريتين نفسه بدا حتى شهور قريبة ضربا من الخيال.
إن كيم يو جونج، شقيقة زعيم كوريا الشمالية، دعت على مائدة المفاوضات بين وفدى الشطرين الشمالى والجنوبى إلى تسريع توحيد الكوريتين، وهو ما أثار ضحكات استحسان ودية من قبل جميع المشاركين فى المفاوضات حسب يون يونج المتحدث باسم رئيس كوريا الجنوبية.
الصين وروسيا أعلنتا تأييد اللقاء بين الكوريتين. الصين يمكن أن تكسب تجاريا واقتصاديا من السلام مع كوريا الشمالية، وترفع عن كاهلها أعباء المساعدات الاقتصادية، وموسكو أيضا لم تعد فى سياق توظيف الورقة الكورية، بعد خروجها من الحرب الباردة التقليدية، وربما يكون كيم جونج أون أحد أهم الرابحين، حقق مكسبا فى إعادة تقديم صورته كزعيم يجيد المناورة مع الولايات المتحدة الدولة الأقوى فى العالم، ولم يعد هو الفتى الطائش الذى لا يعرف شيئا عن السياسة، المشغول بقتل معاونية بالكلاب الجائعة والصواريخ أرض جو، حسبما روجت الولايات المتحدة فى تقارير شاعت بالرغم من غموض مصادرها، وحتى الصواريخ الكورية وجدت تشكيكا ونشرت وسائل إعلام أمريكية تحليلا لخبير صواريخ قال إن ما يظهر فى الاستعراضات مجرد هيكل فارغ، ورد كيم بإطلاق صواريخه فجرا بشكل مستمر، لدرجة أقلقت جارته الجنوبية، وخلال مباحثات ما قبل اللقاء، أعلن كيم جونج أنه لن يطلق صواريخه فجرا حتى لا يوقظ جيرانه الجنوبيين.
الأحداث فى شبه الجزيرة الكورية تتسارع، وقد تسفر عن تطورات وتحولات فى الجغرافيا فى آخر جيوب الحرب الباردة، حيث المصالح تحرك الجميع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة