إن من أشد الأخطاء القاتلة التى اكتشفتها فى الأساليب المستخدمة فى حوار أغلب المختلفين فكريًا هو محاولة هدم أى اعتقاد راسخ لدى الأخر وليس الرغبة فى مجرد التعايش وقبول الآخر، وقد ظهر هذا جليًا فى أعقاب التغيرات الجوية الأخيرة للطقس فى مصر وبعض البلاد الأخرى فظهرت بعض الآراء من بعض المتشددين التى تعتبر التغيرات الغير متوقعة فى الطقس بأنها غضب من الله وإنذار لشيوع الفساد والمنكرات، والأمر كالعادة قد قُوبل بإنكار شديد من بعض المثقفين لكل النصوص الدينية الموضحة لإمكانية وجود العقاب الرباني.
فكلا الرأيين ينقصهما الدقة ، لأن الجزم بأن كل كارثة جزء من العقاب الإلهي، إنما هو كلام غير دقيق، ويحتاج الى كثير أدلة وشواهد، ليس لثبوت النص الدينى فهو أمر لا يحتاج لبحث نظرًا لتواتره وثبوته ، بل لتوصيف وبيان أسباب الكارثة ، فهناك من يفرح بالسيول مثلًا فى بعض المناطق ، فهل المتضرر منها يكون من العصاة والسعيد بها والمنتظر لها أيضًا كذلك !؟ ، فقد يكون وقوع الكارثة لحكمة أخرى لا نعلمها نحن، والجزم بأن سبب هذه الكارثة بعينها هو غضب ربانى شئ لا نملك أدلة عليه ، ولا ندرى ماذا جرى فى الغيب قبيل وقوع الكارثة ، حتى نقرر بأن ما وقع مثلًا فى منطقة معينة أو بلد معين هو غضب إلهى ، فإن السيول والزلازل والأعاصير والفيضانات وغيرها من الكوارث هى تغييرات طبيعية تتأثر بالمناخ وبالظروف الطبيعية والجغرافية المتعددة ، وهى ربما تكون فعلًا رسائل إلهية للبشر لأجل زيادة التيقظ والانتباه لحفظ نعمة الحياة على الأرض ، وربما ليست كذلك ، وإنما تحدث وفقًا لسنن وقوانين التغيير على هذه الأرض.
ومما لا شك فيه أن هذه النظرة الضيقة والسوداوية لأسباب هذه الكوارث يتم تفسيرها حسب أمزجة وأهواء بشرية ويتحول مفسرها من مبلغ للدين إلى متحدث باسم الله ملقيًا بالعقوبات جزافًا وهذا له ضرر بالغ على عقول بعض الشباب فيستحضر العذاب والانتقام الربانى دون الرحمة والعفو مما ينعكس فى صورة غلظة وتشدد وهو لا يدري، فيكون الخوف والوجل عنده محرك للتشدد على نفسه وعلى غيره بدعوى الإنابة إلى الله ، فالأمر يحتاج من الدعاة والأئمة توضيح الفرق بين العقوبة الربانية والابتلاء بعيدًا عن الخضوع لأمزجة البعض ، فمن الناس من يرى أن الضرر الواقع على شخص يعرفه أو يحبه مجرد ابتلاء من الله، وإن وقع على شخص لا يعرفه أو يكرهه أو مختلف معه دينيًا يكون ذلك عقوبة دون الأخذ فى الاعتبار ولا معرفة لعلاقة هذا الشخص المتضرر بالله ، فهل يعقل أن أى شخص يغلب عليه الصلاح قد تضرر من شدة المطر أو السيول يُعد من العصاة والفاسدين ؟
فمن تمام حسن الظن بالله عدم التجرؤ على الله بإطلاق الأحكام الربانية دون دليل وبرهان من الله ودون توصيف سليم للواقعة .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة