يحتفل أقباط "مِصر" يوم الأحد المقبل بـ"عيد القيامة" الذى هو إشارة حية إلى القيامة العامة التى فيها يقوم جميع البشر بعد أن تعود أرواحهم إلى أجسادهم، ويقف الجميع أمام كرسى الله الديان لينال كل أحد جزاء أعماله إن كانت خيرًا أو شرًّا . فإن كان الإنسان قد مُنح نعمة الحياة التى تُعد رحلة طريق يسلكه بحسب إرادته الحرة الممنوح إياها أيضًا من الله ، فلا بد له من اجتياز رحلة أخرى هى رحلة الموت لتعبر روحه إلى الخلود والحياة الأخرى . ويتحدد مصير الإنسان فى حياة الخلود على ما زرعه فى رحلة حياته على الأرض: فمن يزرع المحبة والخير والسلام فسيحصُد معها السلام والسعادة الأبدية، أمّا الذين زرعوا الشر فلن يحصُدوا إلا هلاكًا أبديًّا. وهٰكذا تصير حياة الإنسان رحلة واحدة تمتد من ميلاد الأرض إلى أبد السماء.
عندما يضع الإنسان القيامة نصب عينيه ويتذكرها فى أفكاره ، يظهر ذٰلك واضحًا فى أعماله وسلوكه: فنراه يدرك قيمة الوقت الذى يعيشه فى حياته الأرضية التى ستحدد مصيره فى حياته السمائية ؛ لذٰلك فهو يسعى جاهدًا فى استفادة كل دقيقة من أجل استثمار المواهب والوزنات التى منحها الله إياها فى تقديم كل أنواع الخير. إن الحياة قصيرة جدًّا يجب ألا يفقدها الإنسان فى الصراعات والكراهية والمشاحنات، بل يدع الأمور السلبية لأولٰئك الذين اختاروا التيه فى طريقها!
أيضًا الإنسان الذى يهتم بالقيامة والحياة بعد الموت لا يتسرع فى إصدار القرارات بل يتأنى ، محاولًا تحقيق الرحمة العادلة أو العدالة الرحيمة مع كل إنسان : للغريب كما لنفسه ولأسرته ؛ لأنه يُدرك جيدًا أنه بحسب ما يصنع مع الآخرين سيُصنع به ، كما يُدرك قيمة الخير وكرامة الإنسان فيعمل باذلاً قصارى جُهده بأمانة فى كل ما يؤتمن عليه من عمل وأشخاص. كذلك فإن المهتم بالقيامة يرفض أن يأخذ حقوق الآخرين لنفسه ؛ وهنا أتذكر قصة سمِعتها عن أخوين ثريَّين اختار كل منهما طريقًا مختلفة فى الحياة : فالأول عقد أن يسلك بأمانة ومحبة مع أسرته وعائلته وفى عمله، فى حين تغلبت محبة الذات على الثانى فأمضى حياته مع أصدقاء غير أمناء سلبوه أمواله فى مقامرات ولهو وتنزه حتى استدان بمبلغ كبير ؛ فجاء يعرض على أخيه أن يشترى حصته من الأراضى والممتلكات مقابل ما استدان به من مبالغ وإلا سيبيعها لآخر.
وعلى الرغم من عدم امتلاك الشقيق المبلغ المطلوب نقدًا ، فإنه دبر الأموال اللازمة واشترى حصة أخيه . مرت الأيام والسنون ، ومات الأخ الثانى ، فعقد الأخ الأول اجتماعًا لأبناء أخيه وقدم لهم الأوراق التى تثبت امتلاكه الأراضى ، وأعلن الأبناء معرفتهم بالأمر ؛ ولٰكنهم فوجئوا بأن عمهم يمزق أوراق الشراء والبيع ويعيد إليهم ممتلكات والدهم ، قائلًا : لقد أردت أن أحفظ لكم ميراثكم ، وها هى الأمانة أسلمها إليكم . ويعلق ابن ذٰلك الرجل : لقد كان أبى إنسانًا عظيمًا ، يفعل الخير للجميع كما لنفسه ، مهتمًا بأمانته أمام الله، لا البشر .
* الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسيّ.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة