الدنيا من غير الربيع ميتة، ورقة شجر ضعفانة ومفتفتة، كهذا وصف صلاح جاهين حال الدنيا دون الربيع، فالربيع هو الحياة، وفى احتفالنا السنوى بشم النسيم فى معناه الحقيقى، هو احتفال بتلك الحياة وتجددها، بفورتها بعد سكون، بزهوها بعد شحوب، لذا حينما يأتى يوم شم النسيم فإننا نحتفل بكل ما به حياة، نأكل البيض لأنه يرمز إلى الحياة الكامنة فى العالم، ونأكل الخس والملانة، لأنها تزيد من الخصوبة، ونأكل الفسيح والملوحة بعد أن احتفظنا بالحياة الكامنة فيها عامًا بأكمله.
سنوات وعقود وقرون لم تستطع أن تغير ما بمصر، ولن تستطيع، فمصر تغير ولا تتغير، مبهجة فى كل حين، جميلة فى كل عين، تفرض شخصيتها على الجميع، فنصبح أولادها المطيعين، تأمرنا فنستجيب، وتنادينا فنلبى النداء، كما فى الضراء كذلك فى السراء، وفى كل عام فى مثل هذا اليوم تنادى علينا مصر بالفرح، تحمل رائحة الحياة بين أعطافها، تقول لنا اخرجوا من بيوتكم وانطلقوا، افتحوا أعينكم للحياة، وافتحوا قلوبكم للحب، وافتحوا صدوركم للهواء، وافتحوا نوافذ الأحلام على آخرها، فقد صدقت وعدى وجددت عهدى، وأتيت لكم بالحياة والربيع بعد أن ساد الجمود وعم البرد.
فى كل عام فى مثل هذا اليوم، تدخل مصر إلى آلة الزمن، فنجد أنفسنا وقد تلبستنا الروح المصرية القديمة، نعود إلى آلاف السنين، نحتفل بالطبيعة وتحتفل بنا الطبيعة، نبتهج بما حبانا به الله، نخرج من الظلمات إلى النور، مثلما خرجت الحياة من الشتاء، نفعل كل أفعال الحياة، نأكل ونغنى ونضحك ونتنزه، تشاركنا الطبيعة فى احتفالاتنا، فتتنفس «حياة»، ونحن نطلق على أنفاس الحياة اسم «نسيم»، لأنها تمنحنا الحياة.
هنا أنتهز الفرصة لتجديد دعوتى إلى الحكومة، باعتبار يوم شم النسيم يومًا وطنيًا مصريًا، كما أدعوها إلى الاحتفال به وفقًا لهذا الاعتبار، فهو اليوم الوحيد فى العام الذى يتشارك فيه المسيحيون والمسلمون فى البهجة، وينطلقون دون أدنى حرج أو تردد إلى الحياة، يقبلون عليها كما يقبل الابن على أمه، يوم نتحد فيه تحت راية الوطن، نسترجع تاريخنا ونقيم شعائرنا، ونتشارك مائدة الحياة والحب والوطن.
- كتبت هذا المقال فى 17ابريل 2017 وأعيد نشره اليوم بمناسبة عيد شم النسيم الذى يحتفل به المصريون غدا.