لم يكن أكثر المتشائمين المقربين من دائرة حمد بن جاسم، قائد تنظيم الحمدين فى إمارة قطر، يتوقع أن يسلط الشعب القطرى الضوء ـ بهذا القدر من الكثافة ـ على واحد من أكبر اباطرة استغلال الثروة والنفوذ والسلطة لتحقيق مآرب شخصية، بعد أن بات معلوما للشعب القطرى بأن أملاكه فى الخارج جميعها ليس ملكا للدولة، بل ملك لمجموعة صغيرة من الأشخاص أبرزهم حمد بن جاسم.
فساد بن جاسم
قبل سنوات كان حمد بن جاسم مجرد موظف بسيط فى وزارة الشئون البلدية والزراعة، ووقتها لم يكن يعلم أنه سيكون هذه الثروة الضخمة التى تفوق 6 مليارات دولار، والتى جعلت الشعب القطرى ناقم على الأسرة الحاكمة ببلاده التى جعلت من أشخاص مثل بن جاسم لديهم هذا القدر من المال الذى يتم استثماره فى تمويل الحروب والنزاعات ودعم الجماعات الإرهابية والانفصاليين وقادة التنظيمات المتطرفة.
بن جاسم
وفى سنوات عمله بوزارات قطر تلك التى استمرت نحو 31 عاما وتنقل فيها بين عامى 1982 حتى 2013 بعدد من الوزارات إلى أن استقر على قمة مجلس الوزراء (2007 ـ 2013) استغل مناصبه السياسية واشترى مجموعة من العقارات بقيمة تزيد عن ربع مليار دولار، فى مدينة نيويورك فقط، فضلا عن الأصول الأخرى فى باريس ولندن.
وأثار القطريون سؤالهم الأبرز لهذا اليوم، كيف يمكن لموظف فى الدولة تكوين هذه الثروة وشراء كل هذه الأصول وهو سليل الفرع الأفقر فى عائلة آل ثانى الحاكمة فى البلاد منذ الاستقلال عن بريطانيا العظمى بالعام 1971.
قضية باركليز
تفيد الوقائع المتتالية أن فساد بن جاسم أكثر من أن يحصى، ومع ذلك يبقى المثال البارز على ظاهرة الفساد فى تاريخه الحافل بالتسلط والتربح وجنى المال من كل طرقه المشروعة وغير المشروعة، هى قضية باركليز المثارة فى قاعات محاكم المملكة المتحدة منذ عدة أشهر والتى تعد علما على مسيرته المهنية المثيرة لسخط بنى وطنه.
حمد بن جاسم
ففى منتصف العام الماضى وجه مكتب التحقيق البريطانى فى الفساد تهمة جنائية لرئيس بنك باركليز السابق وعدد من كبار مسؤوليه السابقين بتهمة الاحتيال والفساد فى قرض تمويل قطرى حوكم فيها 4 مسؤولين من البنك مع رئيس وزراء قطر الأسبق حمد بن جاسم فى جرائم فساد تعود وقائعها إلى عام 2008 خلال الأزمة المالية العالمية.
المتورطون هم جون فارلى، الرئيس التنفيذى السابق لبنك باركليز، وروجر جينكينز، المصرفى الكبير فى البنك فى مجال الاستثمار، وتوماس كالاريس، المدير التنفيذى السابق فى قسم الثروة، وريتشارد بواث، المدير الأوروبى السابق للمؤسسات المالية.
واعتبارا من يناير 2019 سيحاكم هؤلاء المسؤولون بالبنك بالإضافة إلى الشركة الأم، فى قضية احتيال خلال جمع أموال لزيادة رأس المال فى قطر عام 2008، ساعد فى الجريمة واضطلع بها رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطرى وقتها حمد بن جاسم، وستكون هذه المحاكمة هى الأولى من نوعها التى يمثل فيها مسؤولون فى مؤسسة مالية كبيرة أمام القضاء برفقة رئيس وزراء دولة أجنبية.
غسيل الأموال
من القضايا الشهيرة التى تعد عنوانا لسيرة حياة حمد بن جاسم واقعة صفقة الأسلحة ذات الـ500 مليون جنيه إسترلينىالتى وقعتها حكومة قطر مع شركة "بى إيه إى سيستمز"، وبموجبها تم تحويل 7 ملايين جنيه إسترلينى من قطر إلى صندوقين ائتمانيين فى جيرزى (جزيرة تقع فى القنال الإنجليزى شمال غربى أوروبا وتتبع التاج البريطانى وتتمتع بحكم شبه ذاتى) وتم تعيين حمد بن جاسم كـ"مستفيد" لهما.
زعيم تنظيم الحمدين حمد بن جاسم
فى منتصف العام 2000 جمّدت لجنة الخدمات المالية فى مقاطعة "جيرزى" التى بدأت بعد ذلك دعوى قضائية والتحقيق بهدف منع غسىل الأموال من خلال هذين الصندوقين، وبعدها دفع حمد بن جاسم للسلطات 6 ملايين جنيه إسترلينى كتعويض طوعى وبموجب هذا التعويض تم إسقاط القضية من قبل السلطات المحلية.
ومن خلال العرض المبسط السابق نكون قد ألقينا الضوء على جانب بسيط من جوانب تفنن حمد بن جاسم فى اختراع الفساد والتربح وغسيل الأموال وشراء ذمم الموظفين فى المؤسسات المالية وغيرها، ما يعنى أنه ليس أميرا للفساد فى قطر فحسب، بل يعد أبرز المتهمين بالفساد فى الشرق الأوسط برمته.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة