عباس شومان

دعوات تجميد آيات فى القرآن الكريم!

الخميس، 10 مايو 2018 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أقرب الطرق لانتقاد ما يعجز البعض عن فهمه، واستيعابه، أو ما يحملون فى أنفسهم حقدًا عليه، مهاجمته، هذا المنطق يتبناه كثير من البلداء، فإذا كان المقرر الدراسى،  مثلًا، يسيرًا، إلا أنه يحتاج إلى تركيز مع المعلم، ومواظبة على حضور الشرح وحل تدريباته واستذكاره منزليًا، فهو بالنسبة لهؤلاء مقرر صعب ولا فائدة ترجى من دراسته، ومعلمه مغرور ثقيل الظلّ سيئ الهندام، ولا يحسن الشرح ولا يحترم الطلاب.. وقد تبنى هذا الفكر عدد غير قليل من أسماء لمعت فى فرنسا وبعضهم كانوا من قياداتها العليا يومًا ما، كما تبناه عدد من المحسوبين على العرب اسمًا، فهم من التائهين بين الثقافتين العربية والفرنسية كمن أبدع على درجات السلم بين الطوابق، حيث أطلق هؤلاء دعوة يطالبون فيها بحذف آيات من القرآن الكريم بدعوى حضّها على قتل غير المسلمين ومعاداتها للسلام، وهم بطبيعة الحال يقصدون الآيات التى تسمى بآيات القتال أو السيف فى كتاب الله، وقد سبق وكتبت فى هذا الأمر، وكتب وتحدث الكثير من علماء المسلمين، وعلى رأسهم شيخ الأزهر أ.د.أحمد الطيب، وأجمعوا على أنه ليس فى كتاب ربنا آية واحدة تدعو لقتل أحد من خلق الله بلا جريرة ارتكبها، واستحق بشأنها القتل، ويعلم الجميع أن إسلامنا جاء محافظًا على مقاصد خمسة، منها حفظ دماء الناس، وبطبيعة الحال حين جاء رسول الإسلام حاملًا هذه المقاصد لم يكن على الأرض مسلمون حتى تكون هذه المقاصد خاصة بهم، مما يعنى أن هذه المقاصد جاءت لتشمل جميع الناس مَن يدخل فى دينه ومَن يرفضه على السواء طالما التزم السلام، والمسلمون أتباع هذا الدين بمقاصده الخمسة يؤمنون بضرورة حفظ دماء الناس بمن فيهم من هؤلاء الفرنسيين وغيرهم ممن يعتقدون أن فى كتاب الله آيات تحض على معاداتهم وقتلهم!
 
ولست أدرى: هل يطالب هؤلاء بتجميد كل الآيات التى تتحدث عن التعامل مع غير المسلم أو أنهم يختارون بعض الآيات دون الأخرى؟! لو كانت الأولى لكانت مطالبتهم كالدبة التى قتلت نفسها لا صاحبها، لأن من الآيات التى تحدثت عن التعامل مع غير المسلم ضمنا قوله تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ»، حيث يخرجون أنفسهم من العالمين لتكون الرحمة خاصة بالمسلمين فقط إذا استجبنا لطلبهم، ومنها الصريح كقوله تعالى: «لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ»، ورفض هذه الآية من قِبلهم يعنى أنهم يطلبون منا عدم برهم أو تحرى العدل فى تعاملنا معهم، ولا أعتقد أنهم يريدون ذلك! فلا يبقى إلا أن يكون مرادهم تجميد آيات القتال، لأن هؤلاء دعاة للسلام بين البشر، وآيات القتال تتنافى مع ما يؤمنون به من ضرورة تبنى السلام خيارًا وبديلًا عن الحروب وما تجرّه من خراب ودمار! وهنا أجد نفسى مضطرًّا لإعادة الحديث عن آيات القتال التى تزعجهم ويرون أن تجميدها أو حذفها سيدعم بغيتهم فى نشر السلام على أحسن الظن، فأقول لهم ولغيرهم ممن يفهمون النصوص على ظاهرها دون مثابرة أو تدبر لفهم معانيها: إن ديننا الإسلامى دين الرحمة والسلام ولم يشرع فيه القتال إلا لردع العدوان متى وقع علينا، فإن قبل العدو السلام وتَرك العداء والتربص بنا فقد أُمِرنا أمرَ وجوبٍ بقبول السلام وتَرْكِ السلاح جانبًا قال تعالى: «وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» فخيار السلام مطلوب ومقبول حتى بعد التسلح والاستعداد لرد العدوان ما استطعنا إليه سبيلا، وليس أدل على ذلك من أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قد وافق على صلح الحديبية وقبل شروطه بما فيها من إجحاف للمسلمين أغضب البعض من الصحابة ساعتها، وما كان ذلك عن جبن أو ضعف إذ كان، صلى الله عليه وسلم، على أتم الاستعداد لخوض الحرب، وموقفه، صلى الله عليه وسلم، أيضًا يوم فتح مكة حين دخلها متواضعًا قائلًا لقريش : ما ترون أنى فاعل بكم؟ قالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم، قال فإنى أقول لكم كما قال يوسف لإخوته: لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء، وهم الذين آذوه وأخرجوه من مكة وتآمروا على قتله أكثر من مرة، وعذبوا مَن آمن معه أشد العذاب، ولكنه عفا عنهم، وكان قادرًا على معاقبتهم فقد كانت كتائب جيشه يومها ترعب من يراها.
 
كما أن المتأمل لجميع آيات القتال فى الإسلام يجدها قد وردت فى مجال رد العدوان، ومنها قوله تعالى: «وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ» فلا نقاتل أحدًا ما لم يبادر هو بالقتال، وقوله تعالى: «فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ» فيه أمران، الأول: أن قتالنا للغير يكون بعد اعتدائهم علينا لا قبله، والثانى: أن قتالنا لهم يجب أن يكون مماثلًا لقتالهم لنا مع التزامنا بتقوى الله فى حروبنا، فلا نقتل النساء أو الأطفال أو الشيوخ «المدنيين»، ولا نخرب العمران أو نقطع الأشجار، ولا نهدم البيوت أو نقتل الحيوان قصدًا، وأما قوله تعالى: «وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ» الذى قد يحتج عليه البعض بأنه أمرٌ صريح بقتل الآخرين مباشرة دون اشتراط بدئهم بقتالنا، فلن يكون المراد منه ما يعتقده هؤلاء إذا نُظر إليه فى سياقه كاملا، فقد قال تعالى: «وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ» وكذلك يقال فى كل استشهاد بجزء من نَصٍّ قُطِع من سياقه ليظهر وكأنه أمر بالاعتداء مع أنه ليس كذلك بعد النظر فى السياق قبله وبعده، ومقاتلة العدو ورد الاعتداء والظلم لا خلاف حوله فى شريعة من الشرائع السماوية أو الوضعية ولا فى الأعراف البشرية السوية، حتى نطالب بتجميد آياته فى القرآن الكريم وأحاديث النبى الواردة فى ذلك، حتى قوله تعالى الذى هو أمر وتوجيه لنا بامتلاك كل ما نستطيع من قوة وسلاح: «وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ» فى حقيقته آية سلام وليست آية حرب، ولا أمر فيها بقتل أحد، فإن امتلاكنا لقوة ردع كافية تجعل الآخرين، كما نصَّت الآية، يخافون من قتالنا لقوتنا فيمتنعون عنه فى حين أننا لا نبدأ أبدًا بالاعتداء، فلا تنشب الحرب بيننا وبينهم، فكان امتلاك القوة سببًا فى درء القتال وجلب السلام، وليس كما يتصوره هؤلاء بأنه إشارة إلى دموية الإسلام وتوجيهه أتباعه لامتلاك السلاح لقتل من يرفض الإسلام، فإن كانت لدى هؤلاء مشكلة فى فهم آيات القرآن الكريم فإن عليهم أن يرجعوا إلى علماء الإسلام ليفهموا الدين الإسلامى فهمًا صحيحا، وإن كانت الأخرى وهى الحقد والسعى للنيل من الإسلام والمسلمين فإننا نبشرهم بخيبة مساعيهم، فقد تكفل ربنا بحفظ كتابه بنفسه ولم يوكل أحدًا من خلقه بحفظه قال تعالى: «إِنَّانَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»، فلا تجميد لحرف وليس لآيات من كتاب ربنا ولو كره الكارهون.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة