بدأ التهامس فى الأوساط السياسية اللبنانية حول الحكومة الجديدة التى سيتم تشكيلها خلال الفترة المقبلة، وذلك بعد أيام من تبين أوزان الأطياف السياسية داخل المجلس النيابى على خلفية الانتخابات النيابية التى جرت الأحد الماضى وانتهت بتحقيق أغلبية ساحقة للثنائى الشيعى حزب الله وحركة أمل وحلفاؤهما، النتيجة التى يتوقع الجميع أن تنعكس بشكل مباشر على شكل الحكومة اللبنانية المقبل وبرنامجها وسياستها الخارجية.
ويبدو أن سعد الحريرى زعيم تيار المستقبل لازال هو الشخص الأقرب الى المنصب الحكومة، فعلى الرغم من أنه خسر ما يقرب من ثلث مقاعدة فى البرلمان اللبنانى عن آخر انتخابات آجريت فى 2009، حيث حصل فى تلك الانتخابات على 21 مقعدا فقط إلا أنه لازال الشخصية السنية الأقوى على الساحة اللبنانية ولم تٌفرز تلك الانتخابات منافسا له يحظى بمكانته الدولية والعربية، لا سيما وأن الدستور اللبنانى ينص على انتخاب رئيس الحكومة من التكتل السنى.
ورغم الخلاف بين تيار المستقبل وحزب الله إلا أن الآخير سيتمسك بالحريرى رئيسا للحكومة المقبلة وفقا للمراقبين، حيث إن الأوضاع فى لبنان لا يمكن النظر لها بمعزل عن الأوضاع الإقليمية المحيطة بها، وفى ظل المعطيات الإقليمية خاصة بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووى الايرانى ومحاولات محاصرة طهران ومحورها بالمنطقة فأن الحزب الشيعى سيسعى إلى تصدير صورة مثالية للخارج اللبنانى، ويأتى تمسكه بالحريرى على رأس الحكومة ليكسب ود العرب من جانب والاستفادة من ثقل الحريرى لدى الدول الغربية من جانب آخر، خاصة أن الحريرى نجح فى الفترة الآخيرة من حشد مساعدات للبنان من خلال المؤتمرات الدولية التى عٌقدت مؤخرا.
وتأكيدا لذلك سارع رئيس مجلس النواب اللبنانى، نبيه برّى، حليف حسن نصر الله، إلى الكشف عن أن مرشحه لمنصب رئيس الوزراء، هو الحريرى بلا منازع، حيث قال برّى "مرشحى هو سعد الحريرى بغضّ النظر عن موقف الأخير من وزارة المال"، لافتا إلى إنه لم يحدّد بعد موعد جلسة انتخاب رئيس المجلس النيابى الجديد، مشيرًا إلى أنَّه يتشاور مع رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس الحكومة سعد الحريرى، لتحديده.
ولفت رئيس مجلس النواب اللبنانى إلى أن للجميع الحق فى الترشح لمنصب رئيس مجلس النواب، مضيفًا: "حتّى لو فزت فى التزكية، ففى الجلسة نفسها سيتمّ انتخاب نائب رئيس مجلس النواب وأعضاء هيئة المكتب واللجان".
ولكن إذا كان حزب الله سيٌبقى الحريرى على رأس الحكومة لكسب ود الخارج والظهور بمظهر من يحافظ على استقرار لبنان، فإن هناك ألغاما فى طريق تشكيلها وتحديد سياستها، ويأتى فى مقدمتها ما تردد فى الأوساط اللبنانية عن مطالب الثنائى الشيعى بحصة موازية من الحقائب الوزارية، وأن تكون هناك وزارات سيادية إلى جانب وزارة الماليةالتى يتمسك الثنائى الشيعى بحقه فيها.
وقال موقع النشرة اللبنانية إن الثنائى الشيعى سيضغط على الحريرى لنيل مقاعد وزارية تتخطى الخمسة مقاعد لتناسب حجم تكتله النيابى مع الإبقاء على حقيبة المالية كحقيبة سيادية من حصته، ولا تتردد مصادر الثنائى فى التأكيد على أن ثمانية مقاعد وزارية على الاقل ستكون من حصة الثنائى وحلفائه الجدد هذا باستثناء حصة التيار الحر الذى يتبع الرئيس ميشال عون، كما أشار الموقع إلى أن الحزب تحدث عن رغبته فى توزير حلفائه السنة المقربين من دمشق لا سيما الوزير السابق عبد الرحيم مراد ولعب دور محورى فى المجلس النيابي.
وإذا كانت هذه مطالب محتملة لحزب الله وحلفاؤه سوف تثقل كاهل الحريرى المطالب بالسير على تلك الأشواك والوصول لتشكيلة حكومية تلقى قبولا دوليا وعربيا، فإن هناك ألغاما أخرى تعقب تشكيل الحكومة، فى مقدمتها برنامجها وسياستها الخارجية والتى ستظل علامات استفهام تجيب عليها الأيام المقبلة.
حيث رأت مصادر لبنانية أن حكومة الحريرى المقبلة يجب أن تٌبقى على ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة» الجملة التى تمنح شرعية لسلاح حزب الله، كما أن قضية فتح قنوات تواصل رسمى مع الحكومة السورية لإعادة النازحين وترتيب العلاقات الثنائية بين البلدين ومشاركة لبنان رسميا فى إعادة إعمار سوريا ستكون مطروحة بقوة على الحكومة المقبلة.
وأشار موقع النشرة اللبنانى إلى أن الثنائى الشيعى ووفقا لمصادره، أكد أن تسليح الجيش اللبنانى بأسلحة نوعية من إيران وروسيا هو أولوية، فى حين أن علاقات لبنان مع أى طرف خارجى لا سيما الدول العربية يجب أن تكون تحت سقف القوانين والمعاهدات الرسمية.
كل تلك الألغام قد تفخخ طريق تشكيل الحكومة اللبنانية المرتقبة والتى من المتوقع أن تتخذ شهورا لتشكيلا، فى ظل المعطيات الاقليمية المتسارعة والتى تؤثر على لبنان قصرا، حيث من المتوقع أن ينعكس الملفان الإيرانى والسورى على بيروت بشكل سلبى فى المرحلة المقبلة، وسيكون مطلوبا من الحريرى أن يتعامل مع كل تلك التحديات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة