يعرف معظم المثقفين الرواية الأمريكية الشهيرة «الحارس فى حقل الشوفان» التى صدرت فى عام 1951، وحققت نجاحا كبيرا، لأنها كانت شيئا جديدا ومختلفا فى عالم الكتابة، عن نفسى لم أقرأها بعد، لكننى بدأت فيها، وقد اتخذت هذا القرار بعد مشاهدتى لفيلم «متمرد فى حقل الشوفان» الذى يحكى قصة كتابة هذه الرواية من خلال سيرة جيروم ديفيد سالينجر.
ليس مهما أن تتفق مع حياة الكاتب الأمريكى سالينجر أو تختلف معه، لكن عليك أن تؤمن بالمقولة التى قالها لها معلمه ويت بارنيت «تخيل الكتاب الذى تحب أن تقرأه واكتبه».
إن بدأت فى مشاهدة الفيلم لن تتركه، سوف يسلمك بعضه إلى كله، لأنك سوف تجد أحلام شاب أمريكى لديه مشكلة مع والده الذى يريد أن يصرفه عن الكتابة، لأنها لن تدر له أى دخل، ويريده أن يتاجر فى اللحوم خاصة لحوم الخنازير، هذا مع أن أباه رجلا يهوديا، سوف تجد صورة عن الشباب الأمريكى قبل الحرب العالمية الثانية، وسوف تجد الحرب ذاتها.
هذه الحرب التى خاضها الجميع حتى غير المؤهلين لها، ومنهم سالينجر الذى خرج منها مضطرب النفس لدرجة أنه دخل مصحة نفسية، لكنه لم يشف منها، وظل طوال عمره يشم رائحة اللحم المحترق.
الفيلم يمنح قيمة كبرى للكتابة، يقول إنها المنقذ من أشياء كثيرة، من الخوف والألم ومن الموت ذاته، حتى أن شخصية هولدن كولفيلد، بطل الرواية، صارت رمزا للتمرد وسط جيل من المراهقين كانوا سببا فى نجاح الرواية، لدرجة أنها باعت حتى الآن نحو 65 مليون نسخة وترجمت إلى 30 لغة.
وفجأة قرر سالينجر أن يتوقف عن النشر، هو الذى كان محموما بالرغبة فى النشر، قرر ألا يرتكب هذا الفعل مرة أخرى، وظل هكذا منذ سنة 1965 وحتى رحيله فى 2010 لم ينشر شيئا، فكيف فعل ذلك؟
رغم أن الفيلم يلقى الضوء بشكل كاف على شخصية سالينجر المركبة، التى تجمع بين «العنف» والرغبة فى «السلام» فى الوقت نفسه، الذى اعتنق مذهبا دينيا آسيويا يقوم على التأمل، وكان معلمه الروحى يقول له دائما تخلص من أصل الإلهاء، حتى أنه ذهب ليعيش فى الريف، لكن ذلك لا يفسر لماذا توقف عن النشر فى عز مجده.
مما أعجبنى فى الفيلم هو مفهوم سالينجر عن الكتابة وعن النشر وعن شخصيات العمل الأدبى وعن دور الكاتب، لكننى وددت لو كان أكثر ودا مع زوجته التى أحبته ومع صديقه ومعلمه «ويت بارنيت» الذى وقف جانبا بحق، وكان أول من نشر له فى مجلة «ستورى».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة