الأنظار ستتجه الأربعاء المقبل لمدينة صوفيا عاصمة بلغاريا، حيث يجتمع زعماء دول الاتحاد الأوروبى الـ28، وأمامهم ملف معقد عليهم أن يجدوا حلاً له، وهو البحث عن آلية تمكنهم من النأى بأنفسهم اقتصاديا وعسكريا وسياسيا عن الولايات المتحدة، بقيادة دونالد ترامب الذى يصفه قادة أوروبا بأنه أصبح شريكا «خارجا عن السيطرة»، نتيجة ما يوجهه لهم من ضربات متتالية تضعف مواقفهم وتحرجهم دولياً، وآخرها إعلان خروجه من الاتفاق النووى الإيرانى رغماً عن إرادة فرنسا وبريطانيا وألمانيا، الذين شاركوا فى صياغة هذا الاتفاق مع الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما.
الأوروبيون يجتمعون وهدفهم واضح ومحدد أعلنه قبل أيام رئيس المجلس الأوروبى دونالد توسك فى تغريدة على تويتر، وهو البحث عن «مقاربة أوروبية موحدة»، تؤمن موقفا واحدا يحفظ لأوروبا وجودها وكيانها، خاصة فى ظل شعورهم بأنهم يواجهون مأزقا بسبب ترامب، وهو ما أكدته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التى قالت: «إن الزمن الذى كنا نعتمد فيه بكل بساطة على الولايات المتحدة لحمايتنا، قد ولى»، وجاءت هذه التصريحات بعد الضغوط التى تمارسها واشنطن على ألمانيا بسبب سياستها الاقتصادية ورفضها زيادة نفقاتها العسكرية داخل الحلف الأطلسى، كما أن رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر قال «إن واشنطن لم تعد تريد التعاون مع بقية العالم، ووصلنا إلى مرحلة باتت تفرض علينا البحث عن بديل للولايات المتحدة»، وهو نفس ما ذهب إليه الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون الذى قال: «لم يعد بإمكاننا القبول بأن يقرر آخرون عنا».
لا أحد الآن يمكنه توقع إلى أين سيذهب قادة أوروبا، وهل سيقررون فعلياً التعامل خارج إطار السيطرة الترامبية، أم أنهم سيلجأون إلى المناورات السياسية، لكسب مزيد من الوقت، ولكى تمر الفترة الرئاسية الأولى لترامب دون مشاكل لهم مع واشنطن، لكنهم مطالبون بالبحث عن مخرج من مأزق الملف النووى الإيرانى، لأنه أمر لا يحتمل أى تأخير، كما أنه أضر كثيرًا بصورة أوروبا، أخذًا فى الاعتبار أن ترامب تجاهل الجميع، بل يريد التوصل إلى ما أسماها صفقة نووية جديدة مع إيران، تكون «مفيدة» لطهران وتسمح للولايات المتحدة بتفتيش المنشآت الإيرانية، وهو ما كشف عنه فى خطابه، الخميس الماضى، بولاية إنديانا بقوله «إن دول الشرق الأوسط الأخرى التى لديها المال»، ستبدأ البحث عن فرص الحصول على أسلحة نووية، «وهذا من شأنه أن يؤدى إلى كارثة»، وأن الاتفاق النووى «أهدى للنظام الإيرانى مليارات الدولارات، أى 150 مليار دولار إضافة إلى 1.8 مليار دولار نقدا، ستصرف على أعمال القتل والتدمير فى الشرق الأوسط بأسره، وانطلاقا من ذلك، نقدم على تطبيق أشد العقوبات ضد إيران وأكثرها قسوة وصرامة، وآمل أن أتمكن من التوصل إلى صفقة جيدة معهم، صفقة عادلة، وتستفيد منها إيران، لكن لا يمكننا السماح لهم بامتلاك أسلحة نووية»، مشدداً على ضرورة أن تكون الولايات المتحدة «قادرة على زيارة المنشآت الإيرانية وتفتيشها»، و«الدخول إلى القواعد العسكرية الإيرانية لنرى بأم عيننا ما إذا كانوا يحتالون أم لا».
ما قاله ترامب يعنى أنه يفكر بشكل منفرد، ولا يقيم وزناً لأحد من حلفائه، وهذا يرجع إلى اقتناعه بأن ما يقوم به هو التصرف الصحيح فى مواجهة التوسعات الإيرانية فى المنطقة وزيادة نفوذها على حساب الدول الرئيسية والكبرى، وهو ما تسبب فى اختلال لموازين القوى، وزيادة فى التوترات الناتجة عن دعم إيران لجماعات وميليشيات فى الكثير من الدول العربية تتحرك بأوامر من طهران، وهو الأمر الذى تدركه جيداً الدول الأوروبية، لكنها كانت تريد أن تسلك طريق التفاوض وليس الصدام، أملاً فى التوصل لحل وسط يرضى الجميع، وأيضًا يؤمن لهم مصالح شركاتهم الكبرى فى إيران، خاصة أن الكثير من الشركات الأوروبية بدأت فى البحث عن فرصها الاستثمارية هناك.
قادة أوروبا يدركون جيدًا أن ترامب خارج عن السيطرة ولا يستمع إلى أى رأى آخر، لذلك فإنهم سيكونون حذرين من اتخاذ أى موقف قد تراه واشنطن عدائيا، لأنه لا أحد يعلم كيف سيكون رد إدارة ترامب، لذلك لا أتوقع أن يخرج اجتماع صوفيا بقرار واضح، وإنما سيكون عبارة عن توجيه نداء لواشنطن بأن تأخذ المصالح الأوروبية فى حسبانها، وهى تتحرك فى الملفات الدولية، وربما يكون من المناسب لبعض الدول الأوروبية، وعلى رأسها ألمانيا أن تطرح فكرة فتح باب للحوار مع روسيا، التى تنظر لما يحدث حاليًا بأنه يخدم مصالحها، ويساعدها فى التقرب من الاتحاد الأوروبى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة