إن حدثوك عن مبارك وأيامه، تحسس عقلك وفتش عن مصالحهم أو جهلهم، هم الخطر الحقيقى فاحذرهم.
ولا يوم من أيامك يامبارك، تبدو تلك النغمة شاذة وخبيثة وسلاح جاهل يستخدمه البعض عمدا للتلاعب بمشاعر المواطنين، الذين حاصرتهم خطوات وقرارات الإصلاح الاقتصادى الصعبة فى حاضرها، الضرورية فى توقيتها، المبشرة فى مستقبلها بإعادة بناء الدولة مستندة إلى أرض صلبة وليس إلى أرفف من أدوية المسكنات.
يكفل لك دستور هذا الوطن حق الاعتراض والنقد على قرارات السلطة، ولكنه لا يمنحك حق النصب والتزوير والتلاعب بعقول وقلوب البسطاء من أهل هذا الوطن، كلما وقعوا فى ورطة بسبب ارتفاع أسعار أو قرار ضمن منظومة خطة الإصلاح الاقتصادى، تخطف أذهانهم وتلاعب قلوبهم بالعودة إلى الماضى عازفا لحن كانت الدنيا أرخص فى زمن مبارك، كانت الأسعار أقل، والأمن مستقر والاستثمارات كثيرة، والدولار بـ6 جنيهات.
يلعب أصحاب المنطق السابق بالأرقام، وبخبث يتلاعبون بمشاعر الناس لمضاعفة مساحات غضبهم وإحباطهم ضد السلطة الحالية تصفية لخصومة سياسية يؤجج نارها أصحاب المصالح المزدهرة فى زمن مبارك والمفقودة فى زمن إعادة ضبط اتزان الدولة من جديد فى زمن مابعد الثورتين.
كانت الأسعار أرخص فى زمن مبارك، ولكن رخصها كان وهما يرضيك فى حينها ويحملك ويحمل أولادك وأحفادك أعباء أكبر فى المستقبل، كان الدولار بسعر أقل، ولكنهم كانوا يعوضون الفرق فى قيمته من مستقبلك ومما كان يجب إنفاقه على وطن يتضخم ويتسع ويحتاج إلى بنية تحتية قابلة للمزيد من الاستثمارات والإنتاج والتوسع الذى يلبى احتياجات ملايين المواليد، الذين يضافون إلى قوائم المصريين كل عام.
كانت دولة مبارك مستمرة بالمسكنات، مثلها مثل مريض استسهل ألمه، وتكاسل عن علاج جذرى واستمر فى تعاطى مسكنات ترضيه لحظيا، حتى استفاق فى مستقبله على حزمة أمراض مزمنة وخلايا غير قابلة للعلاج وقرحة فى المعدة لا تمنحه فرصة تذوق عيش الحياة فى هدوء.
كانت دولة مبارك تسقينا الوهم حتى ظننا أنه الحقيقة، واستيقظنا على صدمة مصارحة كاشفة لحجم الوهن الذى كانت عليه البنية التحتية لوطن كبير مثل مصر تنقطع كهرباؤه وتنهار طرقه وتتلاشى مقدراته من الطاقة بشكل يجعله طاردًا للاستثمار لا جاذبًا له.
يمارس الإخوان إرهابهم ويكشف السلفيون عن وجه تطرفهم، يخرج لك كورال ولايوم من أيامك يامبارك بلحن «مبارك اللى كان منيمهم من المغرب وكان معرفهم قيمتهم»، بينما الحقيقة على أرض الواقع تخبرنا بأن نظام مبارك تحالف معهم ونسق معهم وترك لهم الشوارع والمساجد يستفحلون ويتضخمون وينشرون أفكارهم ويجندون أولادنا دون أى مجابهة فكرية أو أمنية حقيقية تحمى الوطن من سيطرتهم على شوارعه، حتى أتت لحظة خروجهم من الجحور بعد 25 يناير لنكتشف أن الإخوان والسلفيين عاشوا أكبر مرحلة تسمين وانتشار تحت رعاية دولة مبارك.
تخوض السلطة الحالية صراعها لاستعادة مكانة مصر فى أفريقيا والمنطقة العربية، فترتفع أصوات كورال ولا يوم من أيامك يامبارك بالحديث عن مبارك سيد أفريقيا ورائدها، بينما وقائع سنوات مابعد مبارك تكشف لنا أن ثلاثين عامًا كانت أفريقيا تسحب من بين أيدى الدولة المصرية وتخرب الفئران فى علاقات مصر القوية فى أفريقيا دون أن يتحرك نظام مبارك لوأد الفئران أو إعادة توطيد وإصلاح تلك العلاقات.
لا تجذبك أنغام جلسة الزار التى يمارسها البعض بلطيمات الحنين إلى زمن مبارك والتغنى برخص الأسعار والاستقرار، لأن تجارب سنوات مابعد مبارك أثبتت بما لايدع مجالا للشك أننا كنا نعيش وهما، بمسكنات تكثر السلطة من توزيعها على المواطنين حتى لا يشاهدوا إرث دولتهم الكبرى فى المنطقة وهو يتطاير عاما بعد عام، بشكل يجعل كل محاولات الإصلاح لما أفسدته سلطة تصدير الوهم فى عصر مبارك صعبا وقاسيا ومضاعفا لأنه إصلاح رباعى الأبعاد، إصلاح لما أفسده مبارك، وإصلاح لما تكاسل مبارك عن إصلاحه، وإصلاح لما فسد بعد رحيل مبارك حينما اكتشفنا أنه لم يترك لنا دولة حقيقية، وإصلاح لما يحتاجه المستقبل كى تعود مصر إلى مكانتها الطبيعية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة