"أنا لحبيبى وحبيبى إلى/ يا عصفورة بيضا لا بقى تسألى/ لا يعتب حدا ولا يزعل حدا/ أنا لحبيبى وحبيبى إلى".. الحديث عن فيروز لا ينقطع، فصوتها صديق كل حكايات الحب ورفيق كل المدافعين عن حرياتهم الشخصية وحرية أوطانهم، ومؤخرًا صدر كتاب "فيروز وسيسيولوجية الإبداع عند الرحبانية 1960 -1980" عن الهيئة المصرية العامة للكتاب للدكتور محمد الشيخ.
يقول الدكتور محمد الشيخ فى مقدمة الكتاب: "تميزت فيروز بخصوصية وسمات متفردة فى أدائها الصوتى فى الغناء والمسرح، حيث اندماجها الكامل بالتأثير المتبادل بينها وبين طبيعة الحركة والصوت عندها من خلال توحدها مع الشخصية سواء فى التمثيل أو الغناء".. هذا ما قاله محمد الشيخ فى مقدمة الكتاب عن جارة القمر.
ويرصد الكتاب دور الطبيعة فى الأسرة الرحبانية وموسيقاها وينقل ما قاله منصور رحبانى عن طفولته مع أخيه "إنها حكاية طفولة غريبة ترعرعت بين حفافى نهر الفوار وشجر الحور والصفصاف ووعر الجبال والصخور ومغاور إنطلياس التاريخية.. حكاية الفقر والحرمان حتى الوجع المر، والبكاء الصامت الذى ينتهى دموعًا على أطراف مخدة ممزقة فوق فراش عتيق".
أما عن فيروز فيقول محمد الشيخ: "إن علامات السيسيولوجية فى حياة فيروز شكلت بداخلها نوعًا من المعاناة الإيجابية أثقلت مفهومها الإبداعى الصوتى فى طرح الغناء بتلوين بسيط وسلس دون تكلف حتى فى الحالات التى كانت تستدعى غناء تطريبيا".
يقول الكتاب: "لم تكن حياة فيروز بعيدة عن الرحبانية فجميعهم عصاميين كـ آبائهم، فقد شكلت البيئة الطبيعية والمناخ والبيئة الاجتماعية بتفاصيلها فيهم آثارها التى عادت على إبداعهم جميعًا فى إطار رونق متسق بالطبيعة والمناخ والبيئة، ومن هنا تأثر صوتها بالتلوين الصوتى المعادل لتلوين الأشكال الطبيعية كالزهور والغابات وعلاقاتها بألوان ثلوج الشتاء البيضاء بخلفية الغابات الخضراء، كما تأثرت بجمال الجبال وقوتها وألوانها، حيث امتدت هذه الصفات إلى صوتها فيما بعد عندما سمعت وحفظت الغناء الجبلى فى الشام، والذى يستمد قوته من قوة الجبال".
يعرض الكتاب لـ الآثار الاجتماعية على الرحبانية وفيروز ومنها، تأثير التربية على عاصى ومنصور وفيروز، تأثير الجدة على منصور وعاصى وفيروز، البيئة الثقافية، بدايات سن النضج.
من الموضوعات الجميلة التى ناقشها الكتاب "الصلاة فى حياة فيروز" وفيه "إن البيئة الدينية فى المدرسة والكنيسة قد أثرت فى تشكيل وتكوين فكر فيروز الدينى وحملتها كثيرًا من التعاليم وحفظ كثيرًا من التراث الدينى البيزنطى وغيره من المذاهب الدينية المسيحية فى صور ترانيم ومزامير وتعاليم وصلاة، فأصبح قلبها خاشعا مؤمنا بالفطرة وبالتعلم الشرطى وحقق لها سيسيولوجية الإبداع الصوتى، فقد تعلمت حرفة الترتيل ودربت صوتها أن يخرج من منطقة معينة تعكس أداء وحسا دينيا وتلون الكلمات بشكل ينم عن الخضوع والخشوع فى إطار المقام والموسيقى، وجاء غناؤها بشكل متمكن من حيث النطق بالألفاظ السليمة والتشكيل اللفظى واللحنى، مضافا إلى ذلك دراستها لعلم تجويد"، ثم يوضح الكتاب من خلال الأغنيات الهيئة التى كانت عليها صلاة فيروز.
كما أن الكتاب فى جزء ثان منه يناقش "الأيديولوجية وأثرها على الرحبانية وفيروز" ومن المعانى التى ناقشتها فيروز والرحبانية فى أغانيهم ومسرحياتهم، معنى اللجوء والتشرد، ذاكرة المكان، حلم الرجوع والعودة، ثنائية الأمل والألم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة