تقول الأسطورة اليونانية، إن الشاب نرسيوس أو نرجس كان معجبا بنفسه حد المرض، وفى أحد الأيام ذهب ليشرب من النهر ورأى صورته منعكسة على الماء فعشق صورته، لدرجة أنه كان يذهب كل يوم إلى النهر ويجلس على حافته ساعات طويلة لا يفعل إلا أن يرنو إلى صورته المنعكسة على الماء، واستمر على هذه الحالة أياما طويلة حتى فقد عقله ووصل إفراطه فى عشق ذاته كل حد، حتى أدى به الجنون إلى أن يقفز فى الماء، محاولا الإمساك بصورته المنعكسة لكنه غرق ومات.
وتقول أسطورة البرادعى الشهير بالبوب الافتراضى، إن نائب رئيس الجمهورية المستقيل والهارب من تحمل مسؤولية خدمة بلده فى أشد اللحظات خطورة بعد ثورة 30 يونيو وفض اعتصام رابعة والنهضة ومحاولات الاستعمار الجديد فرض الإخوان فرضا على الشعب وإشعال حرب أهلية، لا يرى إلا نفسه وصورته التى يحرص على أن تبقى مثالية وفق الموديل الغربى للموظف الدولى الذى يرطن بالمصطلحات السياسية الفارغة من المضمون والقيمة.
كما تقول أسطورة البوب الافتراضى أن عشقه لنفسه وصورته فاق كل اهتمام وواجب حتى لو تعلق الأمر بالمصالح الحيوية لبلده الأصلى، وأن مصالحه الشخصية تغلب عنده على أى مصالح وطنية أو شعبية، وأنه لا يطيق العيش فى بلده الأصلى أياما، وإذا فعل فإنه سرعان ما يغادرها إلى ليالى الأنس فى فيينا، وبينما يتصور فى نفسه أنه المنقذ من السماء لعموم سكان مصر الأصليين، يضحك عليه المصريون القلائل الذين يعرفونه ويشيح الأغلبية الذين لا يعرفونه بأيديهم عند سماع اسمه.
تفاقمت حالة البوب الافتراضى المغرد ولم يعد أمامه فى أمسيات النمسا الطويلة إلا أن يسترجع ذكرياته فى موقع التحريض بعد ثورة ٢٥ يناير أو فى موقع المسؤولية بعد ثورة 30 يونيو، فيأخذه الحنين ويغرد عن الأحداث التى عاصرها، موضحا كم هو جميل ومثالى وعادل وبطل الأبطال وفارس الفرسان وجاليفر فى بلاد الأقزام، والناس البيئة اللوكال الوحشين المتوحشين.
وكما يعتقد السائرون نياما أنهم فى عز الواقع وتفاصيله، يعتقد البوب الافتراضى أن المصريين ووكالات الأنباء العالمية وبورصات وول ستريت ولندن وطوكيو وبرلين تنتظر تغريداته اللوذعية، وأن عجز الموازنة وأسعار الذهب والنفط مربوطة بعدد التغريدات التى يطرشها علينا من فيينا، وأن التاريخ بذات نفسه قاعد مستنى بيوصل الليل بالنهار ويقربع فى قهوة سادة، ويبلبع ترامادول علشان يفضل صاحى ويسجل كل كلمة فى تغريدة بردعاوية حرفيا.
بصراحة، كل يوم، يا بوب بتثبت إنك «كرازى الفاشل»، فشلت فى الهبوط بالبراشوت لتخطف حكم المصريين وفق السيناريو الأمريكانى، وفشلت فى إثارة الثورة الحمراء على غرار الثورة البرتقالية فى أوكرانيا، وفشلت فى تأسيس حزب ثورى يجمع الألاضيش والمنتفعين وصبيان السفارات إياهم، وفشلت فى تمرير الإخوان أو تمكينهم ولو جزئيا من الحكم، لذا كلامك لا ينفع الشعب المصرى، ولا يقبل منك الناس شهادة أو نصحا أو دفاعا عن أصول ثابتة ومبادئ سامية، فالمصريون أدرى بثوابتهم ومبادئهم التى يدافعون عنها، ويعرفون أعداءهم جيدا كما يعرف المدسوسين عليه، وإن أجادوا التنكر، ووضعوا مساحيق التجميل!
نحن نقدر الفراغ الذى تعانى منه يا بوب بعد تاريخك الطويل فى خدمة المجتمع الدولى، ونقدر أن المحاضرات التى تلقيها فى أوروبا لم تعد تشغل الحيز الأكبر من وقتك، لعيب فى ذاكرة المجتمع الدولى الذى لا يقدر رموزه وأبناءه المخلصين، وننتظر تغريداتك التى تعتب فيها على تجاهل الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبى، لا تركز مع بلدك الأصلى الذى تركته منذ خمسين عاما ثم تركته فى أصعب أوقاته واستقلت من منصبك كنائب لرئيس الجمهورية، ركز يا بوب فى تأمل صورتك المنعكسة على الماء، أما نحن فننتظر اللحظة التى تقفز فيها إلى النهر لتحتضن صورتك!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة