ريحة الحبايب.. حفيدة الشيخ محمد رفعت تكشف تفاصيل آخر مرة قرأ فيها القرآن وبكاءه عندما قهره المرض.. حكاية آخر صورة على فراش الموت ومقولته «حامل القرآن لا يذل».. ومفاجأة: نصف إبداعات الشيخ لم تر النور.."2-2"

الجمعة، 18 مايو 2018 02:33 م
ريحة الحبايب.. حفيدة الشيخ محمد رفعت تكشف تفاصيل آخر مرة قرأ فيها القرآن وبكاءه عندما قهره المرض.. حكاية آخر صورة على فراش الموت ومقولته «حامل القرآن لا يذل».. ومفاجأة: نصف إبداعات الشيخ لم تر النور.."2-2" الشيخ فى فراش الموت
زينب عبد اللاه

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
 
 
جلس الشيخ محمد رفعت هزيلا ضعيفا وحوله مئات المحبين فى مسجد فاضل باشا بدرب الجماميز الذى ذاع منه صيته ليجذب الملايين فى مصر والعالم، يقرأ سورة الكهف فى صلاة الجمعة، بعدما قرر الاحتجاب عن القراءة على الهواء فى الإذاعة بسبب مرضه.
 
 
 
 لم يكن الصوت هو ذاك الصوت الذى ملأ الدنيا ألحانا من السماء، أو تلك الحنجرة الذهبية التى توحدت فى حبها جميع الأطياف والأديان، مسلمين ومسيحيين ويهودا وفنانين ومفكرين ومشايخ وقساوسة، هاجمته «الزغطة» التى انقضت على صوته الملائكى بسبب سرطان الحنجرة الذى لم يكن معروفا وقتها، حاول الشيخ المواصلة وأخرج من جيبه زجاجة دواء شرب منها، ولكنها لم تساعده سوى فى قراءة أية أو آيتين، بعدهما لم يستطع الشيخ المقاومة، قهرته الزغطة وافترس المرض حنجرته الذهبية، فانحنى برأسه وفاضت دموعه وتنحى جانبا واستلم مكانه شيخ آخر، حينها انفجر المصلون والمشايخ فى البكاء، حزنا على هذا الشيخ الزاهد العابد، وهذا الصوت الذى أذهل العالم وهو يرتل كلام الله وكأنه لا ينتمى لأهل الأرض بل ينافس ملائكة السماء، وحملوا شيخهم ملاك السماء مع ابنه الكبير محمد إلى منزله.
 

سنوات الابتلاء

 
عاد الشيخ إلى منزله حزينا واستقبلته زوجته زينب وأبناؤه محمد وأحمد وحسين وابنته الوحيدة بهية بالدموع، وتبدل حال البيت والأسرة، وظل صوت السماء الشيخ رفعت 8 سنوات حبيس المرض وجدران البيت حتى وفاته.
 
تبكى الحاجة هناء حسين، حفيدة الشيخ رفعت، وهى تتحدث عن هذا المشهد القاسى الذى بلغت فيه مأساة الشيخ محمد رفعت ذروتها فى آخر مرة يتلو فيها القرآن، تمسح دموعها، مؤكدة أنها تساءلت كثيرا عن السر الإلهى فى ابتلاء جدها فى أجمل ما يميزه «حنجرته وصوته»، لتؤكد أن هذه المحنة التى مر بها الشيخ رفعت، منحه الله عنها  أكبر جائزة وهى أن يبقى صوته خالدا، مرتبطا بشهر رمضان إلى قيام الساعة، تسمعه وتحبه كل الأجيال.
 
تهتز الحفيدة وهى تحكى عن أصعب الفترات التى مرت على جدها بسبب مرضه، مشيرة إلى أنه رغم شهرته الواسعة فإنه لم يقرأ فى الإذاعة إلا سنوات قليلة خلال الفترة من عام 1934 وحتى عام 1939، حيث أصيب بورم فى الحنجرة، وخاف أن تفاجئه النوبات وهو يرتل على الهواء، واكتفى بالقراءة فى مسجد فاضل، حتى آخر يوم احتجب فيه صوته تماما فى عام 1940، ليبقى فى بيته 8 سنوات وتتدهور حالته.
 
قالت الحفيدة: «طالت فترة المرض واستمرت 8 سنوات انشغل فيها أحبابه عنه، ولم يتذكره الكثيرون، حتى جاءت مجلة المصور وصورت الشيخ فى بيته وهو راقد يعانى من المرض، بجسد نحيل، ونشرت موضوعا عنه، فانهالت الرسائل على المجلة ودعا الكثيرون لعمل اكتتاب للتبرع لعلاج الشيخ، وجمعوا مبالغ كبيرة وصلت وقتها إلى أكثر من 50 ألف جنيه وهو ما يعادل ثمن عزبة ألف فدان، ولكن الشيخ انزعج ورفض هذه التبرعات وقال مقولته الشهيرة «حامل القرآن لا يذل ولا يدان» وأعاد أبناؤه الأموال إلى المجلة.
 

زكريا باشا وتراث الشيخ رفعت

 
تحكى الحفيدة عن زكريا باشا مهران، أحد أعيان أسيوط وعضو مجلس الشيوخ المصرى، وأحد أكبر محبى الشيخ رفعت، والذى يعود له الفضل فى حفظ تراث الشيخ رفعت الذى نسمعه حاليا، قائلة: «كان الباشا أحد أعيان القوصية، وكان يحب الشيخ رفعت دون أن يلتقى به، وحرص على تسجيل حفلاته التى كانت تذاع على الهواء واشترى لذلك اثنين من أجهزة الجرامافون من ألمانيا ، وعندما علم بمرض الشيخ رفعت أسرع إلى الإذاعة حاملا إحدى هذه الأسطوانات، وطلب من مسؤولى الإذاعة عمل معاش للشيخ رفعت مدى الحياة، وبالفعل خصصت الإذاعة مبلغ 10 جنيهات معاش شهرى للشيخ رفعت، ولكن جدى توفى قبل أن يتسلمه».
 
تشير الحاجة هناء إلى أن أبناء الشيخ رفعت أسرعوا لعزبة زكريا باشا ليصلوا إلى تراث والدهم، وكان الباشا توفى فمنحتهم زوجته زينب هانم مبارك كل التسجيلات هدية.
 
وأوضحت الحفيدة أن أبناء الشيخ رفعت ظلوا طوال حياتهم عاكفين على إعادة إصلاح ومعالجة هذه الأسطوانات، وأن والدها أهدى الإذاعة 30 ساعة بصوت الشيخ رفعت دون مقابل، وهى كل التراث الذى نسمعه حاليا للشيخ رفعت، مؤكدة أن الأحفاد يستكملون المسيرة ويحاولون إنقاذ 30 ساعة أخرى بصوت الشيخ رفعت لم تر النور بعد، ولم تصل إلى آذان محبيه، قائلة: «نقلنا كل الأسطوانات على هارد ديسك، واشتغلنا فى كذا استوديو لإصلاحها وتنقيتها، ولكن بقدر إمكانياتنا الضعيفة، ونحتاج استوديوهات عالية التقنية وإمكانيات أكبر من طاقتنا لذلك توقفنا».
 

من ينقذ تراث الشيخ رفعت؟!

 
وأضافت: ما قام به والدى من 40 سنة نقحناه مرة أخرى، والذى لم يعرض عملنا له «مونتاج وتنقية»، حتى انتهينا من 15 ساعة ولكنى غير راضية عنها لأن الاستوديو الذى لجأنا له متواضع، وعندما لجأنا للإذاعة وصوت القاهرة كى ننقذ هذا التراث أكد المسؤولون أن الاستوديوهات غير مؤهلة، وأنهم يريدون هذه التسجيلات جاهزة.
 
وبحسرة من يعرف تفاصيل كنز مدفون ولا يجد من يساعده لاكتشاف روائعه، قالت حفيدة الشيخ رفعت: «التسجيلات التى لم تعرض إبداعات للشيخ رفعت لم تر النور ونحتاج من يساعدنا ليستمتع بها محبوه».  
 
وتابعت: «والدى أهدى الإذاعة الثلاثين ساعة التى أعدها مجانا، ولدى ما يثبت ذلك، وكان يقول إذاعة القرآن الكريم هى المكان الذى يليق بوالدى، ورغم ذلك لا يذاع إلا القليل من هذه التسجيلات، بسبب الاستسهال». 
 
وأضافت: «أعرف كل تراث جدى بإذاعة القرآن الكريم وبأرقام الشرائط، ولديها كنوز بصوت الشيخ رفعت لا تتم إذاعتها، ولدى استعداد أن أذهب وأبحث عن هذه الشرائط».
 
تؤكد حفيدة الشيخ رفعت أن عددا من الدول الإسلامية يتهافت على هذا التراث الذى بين أيديهم، وأنها تلقت عروضا مغرية من هذه الدول للإنفاق على إعداد هذا التراث مقابل أن تحصل الجهة الممولة على نسخة من هذه الروائع،  مشيرة إلى أنها رفضت هذه العروض لأن جدها الراحل كان يفضل القراءة فى الإذاعة المصرية على أى عروض مهما كانت الإغراءات، وقالت: «أستحى أن تأخذ هذه الدول نسخا من صوت جدى ولا تكون هناك نسخة منها فى مصر، فكيف أخرج عن عباءة جدى وأبى وأعمامى»، مشيرة إلى أنها لجأت لوزارة الثقافة فى عهد الوزير فاروق حسنى لعمل مشروع كبير لإعادة إحياء تراث الشيخ رفعت، وتحمس للمشروع، ولكن توقف كل شىء بعد ثورة يناير. 
 
تشير الحفيدة  إلى أن بعض المشايخ حاولوا تقليد صوت الشيخ رفعت ولكن  فشلوا قائلة: مدرسة الشيخ رفعت بلا تلاميذ فهو حالة متفردة، والجميع يعترف بذلك حتى المشايخ والقراء أنفسهم، كما أن أبناءه رغم حفظهم للقرآن لا يشبه صوت أى منهم أباه، مؤكدة أن الرئيس السادات كان يعشق صوته وعندما ذهب إلى كامب ديفيد أخذ معه أسطوانات للشيخ رفعت، وكتبت الصحف أن السادات اصطحب الشيخ رفعت إلى كامب ديفيد.
 
وتؤكد أنها كانت تحرص على إحياء الذكرى السنوية للشيخ رفعت حتى سنوات مضت، وكان يشارك فيها العديد من الشخصيات العامة، وكانت تعرض خلالها بعض إبداعات الشيخ رفعت، فيبكى الجميع من حلاوة صوته، مشيرة إلى أنها توقفت عن إحياء الذكرى لأنها لم تعد قادرة على هذا المجهود.
 
تخشى الحفيدة أن يدركها الأجل قبل أن تستكمل مهمتها وتنقذ تراث جدها، قائلة: «أعرف أن جدى فى مكانة ومنزلة عالية ولا يحتاج كل هذا، ولكننا نحن الذين نحتاج لصوته الربانى المتفرد، وأنا أسعى كى لا نحرم محبيه من هذه الإبداعات». 
واختتمت الحفيدة حديثها قائلة: «أريد من الدولة أن تقف إلى جوارى حتى تخرج الثلاثين ساعة من روائع الشيخ رفعت إلى النور».









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة