لا يتحمل حاكم، أى حاكم أن يجلس فى حضرة معارضيه، ومن لا يرون أنه يحقق أى شىء يستحق عليه الشكر، أو على الأقل القول له أنك حققت شيئا، فى كل الأزمنة والأنظمة، سواء كانت ديمقراطية أو ديكتاتورية لم نر حوارا مباشرا ومستمرا بين الحاكم والمعارضة إلا فى وقت الأزمات، أى حينما يكون الحاكم ونظامه عرضة للخطر، ولا مفر أمامه سوى اللجوء لحوارات وجلسات شكلية مع المعارضة حتى يمر من الوضع الصعب الذى يعيشه، ثم يعود مرة أخرى إلى سيرته الأولى.
فى مصر الوضع مختلف، الرئيس من تلقاء نفسه دعا المعارضة إلى حوارات مفتوحة وعلنية، وليست فى غرف مغلقة، دعا للحوار وهو فى قوته ولا تشوبه شائبة، لم يفعل ذلك تحت ضغط، ولكن لأنه يؤمن أن البناء لن يتحقق إلا بتكاتف كل المصريين، وليس شخص واحدا، فعل ذلك حتى فى ظل معارضة أغلبها يلجأ إلى الشخصنة وليس الموضوعية، لكن الرئيس لم يهاب أحدا، لأنه على حق، ومن يسير فى طريق الحق لا يخاف أى شىء.
الرئيس عبدالفتاح السيسى، كسر كل القواعد السياسية التى عاشت عليها مصر لسنين طويلة، فالرجل لم يغلق الباب فى وجه أحد، حتى أشد معارضيه كانوا أول المدعوين لنقاش علنى، هدفه وضع استراتيجية لبناء الدولة المصرية الحديثة، فعلها الرئيس أكثر من مرة ومستمر فى نهجه دون خوف، فكيف يخاف من يؤمن بأن الله هو سنده.
فعلها الرئيس فى مناسبات عدة، لكنها أخذت طريقها الصحيح عبر منصة مؤتمرات الشباب، التى كان لها الفضل فى إعادة تشكيل الوعى السياسى لعدد ليس بقليل من شبابنا، لأنها قامت ولا تزال تقوم بدور مهم ورئيسى فى تدريب الشباب على الإدارة السياسية، وإدارة ثقافة الحوار بين السلطة والشعب، وهو الدور الذى أخفقت فيه أحزابنا السياسية حتى الآن، رغم أن بعضها يحاول ولديه خطة طموحة، لكن الحق أقول أن مؤتمرات الشباب التى انطلقت فى شرم الشيخ فى نوفمبر 2016، وضعت مسارا جديدا للسياسة لم تستطع الأحزاب أن تلحق به على الأقل حتى الآن، فأحزابنا لم تعتاد هذه الحالة من الحراك والحوار الهادئ الساخن فى نفس الوقت، الذى يضع مصلحة الوطن كأولوية لا غنى ولا تراجع عنها.
نعم مؤتمرات الشباب نجحت فيما فشلت فيه الأحزاب، فى أن تضع الشباب وسط حركة سياسية دؤوبة وحوار ونقاش صحى بين السلطة والمعارضة، حوار قوامه المصلحة العامة ولا يستهدف كشف عورات أحد، ولا شخصنة القضايا، فكانت النتيجة أن أنظارنا تكون معلقة بهذه المؤتمرات أينما عقدت، فى القاهرة أو شرم الشيخ أو أسوان والإسكندرية والإسماعيلية، فى أى مكان، لأنها تقدم النموذج.. نموذج حقيقى وليس مسرحية هزلية، فمن حضر أو شاهد ما جرى ويجرى فى هذه المؤتمرات سيتأكد أن النقاشات داخلها تخلص إلى نتائج وتوصيات أغلبها تم تنفيذها وما لم ينفذ هو طور الدراسة الآن، وهو ما منح مؤتمر الشباب الثقة التى نحن فى أشد الحاجة لها.
أعود مرة أخرى إلى الفكرة الرئيسية، وهى جلوس الرئيس فى حضرة معارضيه، فهو امر لا أرى مثيل له فى الخارج ولا حتى فى الدراسات المقارنة، وربما من الصعب أن تجد مثيل لها، لأنه لا يوجد رئيس لديه القدرة على مواجهة الاعتراضات أو الانتقادات وجها لوجه، لكن هذا حدث فى مصر السيسى، لماذا؟.. ببساطة شديدة لأن السيسى أدرك منذ البداية، بل يؤمن أن مصر تستوعب جميع الأفكار، ومن الصعب إقصاء أحد، وأن جلوس الرئيس فى حضرة المعارضة تمنحه القوة ربما أكثر من عزل نفسه عما يدور حوله.
ما يقوم به الرئيس السيسى هو بمثابة رسالة للمؤيدين قبل المعارضين، أن الدولة المصرية تتسع لكل الأفكار والأيدولوجيات الوطنية حتى وإن اختلفت لأنه من الطبيعى أن تختلف مع بعضها البعض طالما الإطار الجامع لها هو المصلحة الوطنية، وطالما هناك إيمان بأن السياسة جزء من محددات سيادة الدولة، المهم أن تكون هناك قاعدة نلتقى عليها جميعا، هذه القاعدة عنوانها المصلحة المصرية.
الرئيس وضع لنفسه نهجا وخطا منذ البداية، وهو ألا يعزل نفسه عن الشعب، ولا يسمح لأحد مهما كان أن يجعل من نفسه حاجزًاً بين الرئيس والمصريين، فكانت النتيجة هذه الثقة التى نراها تزداد يومًا تلو الآخر، حتى فى أصعب الظروف، حينما أعلنت الحكومة قرارات الإصلاح الاقتصادى، كان الجميع لديه حالة من الخوف، خوف من ردة فعل الشارع، لكن وحده الرئيس كان واثق أن المصريين فهموا رسالته جيدًا، وأنهم سيتقبلون القرارات رغم صعوبتها، وفى النهاية تحقق ما توقعه الرئيس، لماذا؟.. لأنه يؤمن عن حق أنه يفعل كل ما من شأنه الحفاظ على الدولة المصرية من السقوط أو الانهيار.. يفعل ذلك مهما كلفه الأمر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة