فكرة جيدة تلك التى تم إطلاقها مساء الاثنين الماضى بالإسكندرية بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسى ونظيريه اليونانى والقبرصى التى حملت عنون «العودة للجذور»، وتتلخص فكرتها فى ربط الجاليتين اليونانية والقبرصية الموجودة فى مصر وتحديداً بعروس البحر المتوسط بجذورهم فى بلديهم، ليكونوا نواة تعيد مرة أخرى التاريخ الجميل الذى يربط شعوب الدول الثلاثة.
هذه الفكرة أعادتنى بالذاكرة للوراء قليلاً وتحديداً حينما أطلق المرحوم الدكتور عبر الرحيم شحاتة عندما كان وزيراً للتنمية المحلية فكرة «العودة للجذور»، وكانت تقوم على إعادة ربط أبناء المحافظات المهاجرين إلى العاصمة أو المحافظات الساحلية بمحافظاتهم الأم، سواء كانوا رجال أعمال أو سياسيين أو مثقفين أو فنانين وإعلاميين وغيرهم، المهم أن يعود كل هؤلاء إلى أصولهم وجذورهم، ليكون لهم دور فى تنمية وتثفيف القرية أو المدينة أو الحى أو على الأقل الشارع الذى ولدوا فيهم وشهد نشأتهم الأولى.
وبالفعل بدأ الرجل فى عقد عدد من المؤتمرات بمحافظات عدة، وكان الرجل فى جلساته مع الصحفيين يتحدث عن نموذج يعتبره صارخا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فمحافظة سوهاج على سبيل المثال تحتل مرتبة متراجعة جداً فى نسب التنمية مقارنة ببقية المحافظات، لدرجة أنهم كانوا يطلقون عليها المحافظة الأكثر فقراً، رغم أن عددا ليس بقليل من أغنياء مصر ينتمون لهذه المحافظة، وليس فقط الأغنياء مالياً، بل ينتمى لها أيضاً قادة فكر وعلم، لكن المحافظة للأسف لم تستفد منهم.
ورأى شحاتة وقتها أن الحل فى تشجيع كل هؤلاء على أن يعودوا إلى جذورهم مرة اخرى، ليكون لهم دور فى إحداث التغيير المطلوب، جنباً إلى جنب الحكومة.
وكانت الفكرة تعتمد أيضاً على تصور أراه مهما، فهمها تدخلت الحكومة بمساندة منظمات المجتمع المدنى، والجمعيات الاهلية، لكنها لن تكون حريصة على أداء المهمة المطلوبة بنفس الطريقة التى سيقوم بها واحد من أبناء القرية أو المدينة، الملم بكل التفاصيل بحكم نشأته، والترابط العائلى، حتى وإن كان مر على تركه للمكان الذى شهد انطلاقته الأولى وقتا طويلا، لكن الحنين قادر على أن يعيده سريعاً إلى الماضى.
وقد كان لى الحظ فى أن أحضر عددا من هذه المؤتمرات التى عقدتها الوزارة، وأن أستمع للفكرة من الراحل عبد الرحيم شحاتة، الذى كان متحمساً للفكرة، وسعى لتأخذ مكانها فى التنفيذ جنباً إلى جنب المشروعات الأخرى المهمة التى كان له دور فى إطلاقها، مستفيداً من خبراته فى المحليات.
نحن فى أشد الحاجة لإعادة هذا البرنامج فى الوقت الحالى، وأدعو اللواء أبو بكر الجندى، وزير التنمية المحلية، أن يعيد البحث فى دفاتر الوزارة القديمة، ويزيل التراب من على هذا الملف المهم المدون عليه «العودة للجذور» ويعيد إحياءه من جديد، وليعتبره استراتيجية تعمل الوزارة على تطبيقها خلال الفترة المقبلة، لأنه إن نجح فيها سيكون أفضل له بكثير من اللاشئ الذى يفعله الأن.
كل المطلوب أن يطلب الوزير الجندى من كل محافظة قائمة بأبناء المحافظة فى كل التخصصات، وتكوين لجنة فى كل محافظة تكون مهمتها التواصل معهم، وتحديد موعد للاجتماع بهم، وأعتقد بل لدى يقين أن هذه الفكرة ستلقى قبولاً من الجميع، ولن يرفضها أحد، لأنه من غير المتصور أن يرفض إنسان أن يكون له دور فى تنمية المكان الذى نشأ فيه، لكن شريطة ألا يكون لهذه الفكرة بعد سياسى، حتى لا يستخدمها البعض لتحقيق أهداف سياسية مثل أن تكون أرضية للترشح للانتخابات البرلمانية، لأنها فى هذه الحالة ستكون الفكرة حادت عن الهدف الأساسى منها.
ولكى تكون الأمور سهلة وبسيطة لنأخذ ما يفعله لاعبنا المحبوب محمد صلاح فى قرية نجريج نموذج لنا، فهو لم ينشغل بالعالمية عن خدمة أبناء قريته، وأن يوفر لهم كل ما يحتاجونه من خدمات، وأن يخصص جزءا من وقته لزيارة القرية ولقاء أهلها، وأن يشاركهم أفراحهم وأحزانهم، هذا هو ما نحتاجه، أن نوسع من نموذج صلاح ليشمل رجال الأعمال والأطباء والفنانين والمثقفين والسياسيين والإعلاميين والمهندسين وغيرهم الكثير، كل يقدم لأبناء قريته ومدينته، لأننا فى أشد الحاجة لنماذج كثيرة وقدوة لشبابنا أفضل من تركهم فريسة للسوشيال ميديا.
كلى يقين أن الوزير أبو بكر الجندى لن يفوت هذه الفرصة، وسيجعلها فى أولوية أهتماماته، خاصة أن القيادة السياسية مهتمة جداً بكل المشروعات التى من شأنها زيادة الترابط بين المصريين بأصولهم وجذورهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة