خالد عزب يكتب: فن الإنشاد الدينى

الأحد، 20 مايو 2018 04:00 ص
خالد عزب يكتب: فن الإنشاد الدينى غلاف الكتب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
صدر عن الدار المصرية اللبنانية كتاب شيق فى مادته وموضوعه هو "فن الإنشاد الدينى" للباحثة والصحفية مروة البشير، وترى الباحثة أن مصر أول دولة فى العالم للإنشاد الدينى، وهو الإنشاد المصاحب للطقوس والعبادات، ومع انتشار الديانة المسيحية ظهرت فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الموسيقى والترانيم الكنسية، وعندما جاء الإسلام، كانت قصائد المديح النبوى، والتى تعد العمود الفقرى للإنشاد، إحدى أدوات الحرب ضد المشركين.
 
كتاب
 
الكتاب يستعرض فن الإنشاد، وهو يجمع بين السرد التاريخى لهذا الفن، و نماذج من هذا الفن ولكننا نستطيع أن تقف عند نموذجين هامين أتت بهما المؤلفة و هما:
 
محمد الكحلاوى (1912 _ 1982)
 
 وهو الفنان الذى تغيرت حياته تماماً بسبب رؤيا الرسول عليه السلام فى المنام، اسمه محمد مرسى عبد اللطيف، ولد بمنيا القمح بمحافظة الشرقية فى 1 أكتوبر 1912م يتيماً بعدما توفيت والدته أثناء ولادته ولحق بها أبوه و هو لا يزال طفلاً. 
وتربى فى أسرة فنية حيث احتضنه خاله الفنان محمد مجاهد الكحلاوى الذى كان معاصراً للفنان صالح عبد الحى وكان ذا صيت فى ذلك الوقت، وكانت ملازمته لخاله فى حفلاته الأثر الكبير، حيث تشبع بالحياة الفنية منذ صغره وورث عنه الصوت الجميل و الأداء المتميز و كذلك لقبه.
 
عمل الكحلاوى موظفاً فى السكك الحديدية، وبدأ حياته فى إنشاد المواويل الشعبية، ثم ترك وظيفته والتحق بفرقة عكاشة وعمل بالإذاعة منذ نشأتها عام 1934م، وانتخب نقيباً للموسيقيين عام 1945م، لكنه تنازل للموسيقار محمد عبد الوهاب، وقام بإنشاء شركة للإنتاج، وحصل على جائزة التمثيل عن دوره فى فيلم "الزلة الكبرى" وجائزة الملك محمد الخامس، وحصل عام 1967م على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، واهتم بالإنشاد الدينى والأغنية الشعبية، ومن أغانيه الشهيرة "لاجل النبى"، "ياقلبى صلى على النبى"، "خليك مع الله "، "نور النبي"، "خللى السيف يجول".
 
هو صاحب الملحمة النبوية أو "مداح الرسول"، كما كان يحب أن ينادى، المطرب الذى سلك طريق العبادة والزهد وسخر الفن ليكون طريق دعوة وحض على الفضيلة، وهو أيضاً الفنان صاحب القدرات المتعددة الذى تنوع بين الغناء البدوى والشعبى والدينى وكذلك فى التمثيل، وكان له شرف الريادة والسبق فى كل ألوان الغناء التى اشتهر بها ثم تبعه المريدون. 
 
كان الفتى الكحلاوى يقضى وقته بين الغناء ولعب كرة القدم التى تميز فيها حتى أصبح فى وقت لاحق كابتن فريق السكة الحديد، كما كان يلازم نادى الزمالك ونادى الترسانة فى كل سفرياتهما، ولعبت الصدفة لعبتها عندما كان يعمل "كومبارس" فى فرقة عكاشة، تأخر مطرب الفرقة زكى عكاشة فى ذلك الوقت، فطلب منظم الحفلة من الكحلاوى الغناء لتسلية الجمهور الذى تجاوب معه لدرجة أفزعته فهرب من الحفل. 
 
سافر مع فرقة عكاشة للشام دون علم خاله و كان لا يزال طفلاً، وعادت الفرقة بعد شهرين و تخلف هو لثمانى سنوات فى بلاد الشام، تنقل فيها بين بلادها ليتعلم الغناء العربى الأصيل ويتقن خلالها اللهجة البدوية وإيقاعاتها وغناء الموال والعتابة، ثم عاد إلى مصر شاباً يافعاً فى العشرين من عمره، خرج من بيته بحوالى عشرين قرشاً و عاد و معه حوالى 38 ألف جنيه و هى ثروة ضخمة وقتها. 
 
اتجه الفنان الشاب إلى الغناء البدوى الذى تعلمه جيداً أثناء سفره فكون فى بداية حياته ثلاثية جميلة مع بيرم التونسى بالكتابة و زكريا أحمد بالتلحين وهو بالغناء. بدأ محمد الكحلاوى التمثيل نجماً فكان أول أفلامه من إنتاج "أولاد لامة" وبطولة كوكا وسراج منير الذى تصدر أفيشاته رغم أنه لم يظهر سوى فى مشاهد معدودة. 
 
وكون الكحلاوى ثانى شركة إنتاج فى الوطن العربى و هى "شركة إنتاج أفلام القبيلة" أراد بها صناعة سينما بدوية فتخصصت فى الأفلام العربية البدوية مثل "أحكام العرب" و "يوم فى العالى" و"أسير العيون" و"بنت البادية"، وغيرها، و التى شارك فيها بالتمثيل واعتبرت هذه الأفلام بداية لعملية تمصير الفيلم العربى الذى كان يعتمد من قبل على النصوص الأجنبية المترجمة، وقد قدم فى هذه التجربة نحو 40 فيلماً. 
 
كانت مرحلته الأخيرة بالغناء الدينى التى مثلت حوالى نصف إنتاجه الفنى، فقد لحن أكثر من 600 لحن دينى من مجمل إنتاجه ما يقرب من 1200 لحن، ولم تكن الأغنية الدينية تعرف بمفهومها الحالى، إذا اقتصرت فى ذلك الوقت على التواشيح الدينية، لكنه وضع أسسها وأصبحت الأغنية الدينية تغنى بنوته موسيقية وفرقة كاملة، ولقد تلون فى غنائه بين الإنشاد والغناء والسير والملاحم والأوبريتات، فقد قدم "سيرة محمد" و"سيرة السيد المسيح" و"قصة حياة إبراهيم الخليل".
 
 ولمع الكحلاوى فى الغناء الدينى ولاقت أغانيه حفاوة عند جمهوره وأصبحت تذاع فى كل المناسبات الدينية، وأشهر أغانيه " لاجل النبى".
 
سيد النقسبندى: اشتهر الشيخ سيد محمد النقشبندى (1920_1976) بلقب "أستاذ المداحين"، وهو صاحب الصوت المتميز جداً الذى لم يكن بحاجة إلى ميكروفونات وهو ينشد ويغنى. 
 
والده محمد النقشبندى شيخ الطريقة النقشبندية، ومنذ صغره كان يجلس "سيد" فى حلقات ذكر والده وينشد أناشيدهم، حتى أصبح المنشد الرئيسى، ولم يكن يستخدم الموسيقى فى إنشاده حتى التقى الملحن بليغ حمدى فى واقعة شهيرة ليصبح بعدها من أساطير الأغنية الدينية. 
 
ومن أغانيه الشهيرة قصيدة ابن الفارض "قلبى يحدثنى بأنك متلفى" التى يغنيها النقشبندى بمصاحبة آلة القانون، وهى من المرات القليلة التى يغنى فيها بمصاحبة هذه الآلة.
 
ولد الشيخ النقشبندى فى قرية (دميرة) مركز طلخا بمحافظة الدقهلية عام 1920م، ثم انتقل و هو طفل بصحبة و الدته إلى مدينة طهطا بمحافظة سوهاج، وهناك تربى تربية صوفية أساسها الإيمان بالله وحب الرسول، وحفظ القرآن الكريم وهو فى سن مبكرة من عمره. 
 
بدأت شهرة الشيخ الجليل، يرحمه الله، وعرفته الإذاعات الدينية والعربية من خلال إحيائه الليلة الختامية لمولد الإمام الحسين رضى الله عنه و كانت بدعوة من صديقه الحميم الحاج سيد محمد محمد من القاهرة، فلبى الشيخ النقشبندى الدعوة وأقام حفلاً ترنم فيه بصوته و شدا بمدح الرسول الكريم بابتهالاته الدينية المميزة فى ساحة سيد الشهداء، وأدهش مستمعيه فذاع صيته و تناقلته الإذاعات عبر موجاتها.
 
سعت إليه الشهرة فى عام 1967 م وبدأت الإذاعة فى عمل برامج دينية منها: برنامج (الباحث عن الحقيقة _ سلمان الفارسى) إضافة إلى الابتهالات بصوت الشيخ حتى أصبح صوته مظهراً من المظاهر الدينية خلال شهر رمضان، الذى ارتبط فى أذهاننا بصوتين بالغى الأداء الشيخ محمد رفعت  (قيثارة السماء) لقراءة القرآن، والشيخ سيد النقشبندى فى أدعية الإفطار  وتسابيح الفجر.
 
وحصل الشيخ النقشبندى على العديد من الأوسمة والنياشين من مختلف الدول التى زارها، فلم يكن تكريمه محلياً فقط بل دولياً وإسلامياً، وقد كرمه الرئيس الراحل السادات عام 1979 م فحصل على وسام الدولة من الدرجة الأولى، وفى ليلة القدر كرمه الرئيس حسنى مبارك  بوسام الجمهورية من الدرجة الأولى عرفاناً لما قدمه الشيخ من ابتهالات و تواشيح دينية تخدم الإسلام والمسلمين.
 
اشترك الشيخ فى حفلات وابتهالات وأناشيد وتواشيح دينية فى معظم الدول الإسلامية والعربية بدعوة من هذه الدول وحكامها، فزار أبو ظبى وسوريا والأردن والمغرب العربى والسعودية واليمن ودول الخليج العربى وإندونيسيا، كما زار معظم الدول الأفريقية والآسيوية.
 
عاش الشيخ عبداً فقيراً زاهداً عابداً محباً مخلصاً كريماً لم يترك من حطام الدنيا شيئاً يذكر.
 
و لكنك لا تستطيع  إلا أن تقف أمام نماذج من روائع الإنشاد الدينى التى جعلته يتربع على عرشه و منها: 
مولاى إنى ببابك
(عبد الفتاح مصطفى)
 
 مولاى إنى ببابك قد بسطت يدى 
 من لى ألوذ به إلاك يا سندى؟
 أقوم بالليل و الأسحار ساجية
 أدعو وهمس دعائى بالدموع ندى
  بنور وجهك إنى عائذ وجل
 ومن يعذ بك لن يشقى إلى الأبد 
   مهما لقيت من الدنيا وعارضها
  فأنت لى شغل عما يرى جسدى 
  تحلو مرارة عيش فى رضاك وما 
  أطيق سخطاً على عيش من الرغد
  ومن سواك يرى قلبى و يسمعه ؟!
  كل الخلائق ظل فى يد الصمد
   أدعوك يا رب فاغفر زلتى كرماً   
 واجعل شفيع دعائى حسن معتقدى 
 انظر لحالى فى خوف و فى طمع 
  هل يرحم العبد بعد الله من أحد؟
 مولاى إنى ببابك قد بسطت يدى 
 من لى ألوذ به إلاك يا سندى؟








الموضوعات المتعلقة


مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة