المؤكد أن الدولة تأخرت فى فتح ملف «الاقتصاد غير الرسمى»، لأن تركه دون حل طيلة هذه السنوات الماضية جعله يتحول إلى ملف من الصعب اختراقه، إلا إذا استطاعت الحكومة من خلال آليات معينة أن تدفع كل العاملين فى مجالات الاقتصاد غير الرسمى ليغيروا من أفكارهم، ويندمجوا فى الاقتصاد الرسمى.
الاقتصاد غير الرسمى هو كل الأنشطة الاقتصادية التى يقوم بها غير الملتزمين بالنظم والقوانين، ولا يدفعون الضرائب عن أعمالهم ولا يخضعون للأجهزة الرقابية المختلفة، ولأن حجم هذا الاقتصاد غير محدد، فلا توجد أرقام محددة له، والرقم المعلن حتى الآن هو ما قاله المهندس شريف إسماعيل، رئيس الحكومة منذ عدة أيام، بأنه يبلغ 1.8 تريليون جنيه، أى ما يعادل %40 من الناتج المحلى، وإن كان اقتصاديون يشككون فى هذا الرقم ويقولون إن حجم الاقتصاد غير الرسمى يتخطى رقم 2 تريليون جنيه.
الأرقام تقول لنا بلا مواربة إن الاقتصاد غير الرسمى ملف فى غاية الخطورة، ولا بد على الحكومة أن تخترقه بكل قوة، وما كان ينبغى لها أن تنتظر حتى يتحدث عنه الرئيس عبدالفتاح السيسى، ويحاول وضع تصور معين للتعامل معه، لأنه من غير المقبول ألا تكون الحكومة على دراية بحجم هذا الاقتصاد، فلا توجد بيانات للاقتصاد غير الرسمى لدى الدولة، وهذا شىء كما قال الرئيس «غير مقبول»، خاصة أنه وفقاً لتقديرات كل الاقتصاديين، فقد كان لقطاع الاقتصاد غير الرسمى دور إيجابى فى تحمل المصريين للمرحلة الصعبة التى عاشتها مصر بعد 25 يناير 2011، ولا أكون مبالغاً إذا قلت إنه كان له دور أيضاً فى ألا تؤثر الأزمة الاقتصادية العالمية على الأوضاع فى مصر.
إذن هذا الملف فى غاية الأهمية، وسيكون له دور كبير فى دفع عجلة الإنتاج الرسمى، وسيساهم بشكل إيجابى فى الميزان التجارى وميزان المدفوعات، إذا تم دمجه فى الاقتصاد الرسمى، وأعتقد أن حديث الرئيس السيسى، الأربعاء الماضى، فى المؤتمر الوطنى الخامس للشباب عن هذا الملف، وطرحه لمبادرة أراها تفيد الجميع، كونها تساعد العاملين فى هذا القطاع على سرعة الاندماج فى الاقتصاد الرسمى والمقنن، وتتعامل مع كل مخاوفهم التى أشار لها الرئيس بقوله إن كل العاملين فى قطاع الاقتصاد غير الرسمى يرفضون الاندماج حتى لا يدفعون ضرائب ولا يفتحون ملفات تأمينية على العاملين لديهم، فمبادرة الرئيس تقوم على إعفاء قطاع الاقتصاد غير الرسمى من الضرائب لمدة 5 سنوات متواصلة، والطلب من الحكومة ووزارة التضامن الاجتماعى إيجاد حل لمسألة التأمينات بشكل يكون أكثر جذباً للعاملين فى هذا القطاع.
يمكن اعتبار ما قاله الرئيس المحاولة الأخيرة لإحداث الدمج الذى كثيرا ما تحدث الاقتصاديون عنه، لكن لم يأخذ أحد زمام المبادرة، لأن الهدف كان موجودا، لكن الآليات والحوافز كانت غير موجودة، وقد تلقت الحكومة إشارة الرئيس وبدأت تتحرك، فاللواء خيرت بركات رئيس الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، قال: إنه من أهم الأهداف الرئيسية للتعداد الاقتصادى المقبل الذى يستعد الجهاز للبدء به، هو حصر الاقتصاد غير الرسمى لضمه للاقتصاد القومى والاستفادة به، حيث يجرى الآن الإعداد لتنفيذ التعداد الاقتصادى، الذى سيبدأ العمل الميدانى به وجمع البيانات مطلع أكتوبر المقبل ولمدة 6 أشهر، ينتهى فى مارس 2019 بتكلفة تبلغ 80 مليون جنيه شاملة كل التجهيزات للتعداد وأجور العاملين به، والبالغ عددهم نحو 1000 باحث وموظف، ويعد التعداد الاقتصادى المقبل هو أول تعداد اقتصادى إلكترونى، سيتم تنفيذه باستخدام التابلت، وستعلن نتائجه خلال يونيو 2019.
كما أن البنك المركزى ووزارة المالية، فى طريقهما لإصدار إجراءات وتشريعات، منها على سبيل المثال مبادرة الشمول المالى، التى تستهدف جذب المصريين للتعامل داخل القنوات الشرعية المتمثلة فى البنوك، وتغيير ثقافتهم فى التعاملات المالية، ما يسهم فى دمج الاقتصاد غير الرسمى فى الرسمى، وكذلك الدور الذى قام ويقوم به البرلمان الذى نجح فى إقرار قوانين لتشجيع ضم الاقتصاد غير الرسمى، منها تعديلات قانون الشركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسؤولية المحدودة الصادر بالقانون رقم 159 لسنة 1981، وتعديلات أحكام القانون رقم 140 لسنة 1956 بشأن إشغال الطرق العامة، والخاص بمنح تصاريح لعربات المأكولات، كما يناقش البرلمان حالياً مشروع قانون المشروعات الصغيرة والمتوسطة، الذى يضم بابا كاملا عن كيفية ضم الاقتصاد غير الرسمى إلى الرسمى.
استطاع الرئيس أن يخترق هذا الملف، لكن يبقى دور الحكومة، وكذلك العاملون فى قطاع الاقتصاد غير الرسمى، لأنه من غير المعقول فى ظل هذا الاهتمام من جانب الدول والحوافز والمزايا، أن يظل العاملون فى هذا القطاع على نهجهم المقاطع لكل ما هو رسمى، لأنه فى النهاية لن تقبل الدولة بأن يكون أحد مهما كان خارج المنظومة، حتى وإن تطلب الأمر تدخلات تشريعية للإجبار.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة