أنا متفائل بما يحدث فى الأحزاب المصرية مؤخرا من حراك إيجابى نحو ممارسة العمل السياسى والحزبى بعد عقود من التجميد الذاتى والاستسلام للأمر المباشر، خلال فترات سابقة «بلاش دوشة»، ويبدو الوضع الآن أشبه بحالة عودة الروح أو اليقظة من نوم طويل، فهناك أحزاب بدأت تعقد اجتماعات جادة لبحث تجاوز الحالة الكرتونية والغياب عن الشارع وضعف التأثير، فضلا عن ضعف الممارسة الحزبية داخل الأحزاب، والميل فى معظمها إلى إعادة إنتاج الحالة الاستبدادية وهو ما لم يعد يجدى أو يناسب المرحلة التى نعيشها.
من ناحية ثانية، بدأت الأحزاب تستوعب الصدمة السياسية الكبرى التى أحدثتها مؤتمرات الشباب الخمسة بحضور الرئيس السيسى، والتى كشفت عن عدد كبير من الشباب المؤهلين بالفعل للمشاركة فى الحياة السياسية، وإضافة زخم كبير لهذه الأحزاب، كما كشفت تحرك مؤسسات الدولة بصورة أنضج كثيرا من معظم الأحزاب الموجودة على الساحة بالبحث عن الطاقات الشابة وتقديمها إلى عموم المصريين، ليعرضوا تجاربهم وأفكارهم ومطالبهم، بل واعتراضاتهم وتصوراتهم المختلفة فى جميع المجالات.
ومن هنا، بدأت الأحزاب تسير على منوال الدولة المصرية فى إطلاق الطاقات الشابة واجتذاب أكبر عدد منهم، ليكونوا إضافة لها فى المستقبل القريب، خاصة أن الأحزاب أمام استحقاق كبير يتمثل فى انتخابات المحليات، ولو خرجت منه دون تحقيق أرضية قوية وصلات إيجابية مع المجموعات المؤثرة فى الشارع، لن تضمن وجودا فى الانتخابات البرلمانية المقبلة.
إدراك الأحزاب السياسية بضرورة تكتلها فى كيانات متناغمة أيديولوجيا وسياسيا لتعظيم قدراتها، ومع إدراكها بضرورة تعظيم الاستفادة من طاقات الشباب خلال المرحلة المقبلة، سيمكنها من التعامل بكفاءة مع الاستحقاقات الوشيكة، وفى مقدمتها انتخابات المحليات، خاصة مع الوعى العام بأنه لا يمكن لحزب سياسى بمفرده تكوين قائمة كاملة فى انتخابات المحليات وتحقيق نتائج مرضية، مما يعنى أننا سنشهد وجوها جديدة وكثيرة فى انتخابات المحليات المقبلة، كما سنشهد قوائم حزبية جديدة تنطلق من التكتل تحت شعار واحد.
هل يغير الحراك السياسى الوشيك من شكل الحياة السياسية المصرية؟ وهل تكون انتخابات المحليات عتبة جديدة يمكن تصنيف وترتيب الأحزاب السياسية وفقها كأن نقول ما قبل انتخابات المحليات وما بعدها؟ أعتقد أن الإجابة عن السؤالين السابقين ستكون بالإيجاب، إذ أننا سنشهد تكتلا لأحزاب اليسار بقيادة حزب التجمع، وتكتلا يمينيا بقيادة حزب الوفد، بالإضافة إلى تكتلات الوسط ويسار الوسط ويمين الوسط وهى الأحزاب الصغيرة التى لا تنطلق من أيديولوجيا راديكالية، وكذا مجموعة الأحزاب المؤيدة للدولة المصرية التى تمثل ظهيرا سياسيا لها.
إجمالا، نحن على أعتاب حالة من الحراك والنشاط المدعومين من القيادة السياسية، التى تبذل جهودا جبارة لمواجهة أى فراغ سياسى فى الساحة المصرية، ولعل كلمات الرئيس السيسى فى مؤتمرات الشباب المتتابعة بضرورة التكتل الحزبى لقيام حياة سياسية حقيقية، ولوجود أحزاب قوية، وكذا مطالباته المستمرة بفتح المجال أمام الشباب للمشاركة، هى الدافع والضمان أمام الأحزاب لتوديع فترة السبات الطويلة، وإعادة التدريب على المشاركة الفاعلة فى الحياة السياسية، ليس فقط من مقاعد المعارضة، ولكن من مقاعد الظهير السياسى المسؤول للدولة، الأمر الذى سيغير كثيرا من القناعات السياسية والكليشيهات والممارسات الشكلية التى سادت حياتنا السياسية وأفقرتها خلال العقود الماضية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة