نساء على رقعة الشطرنج.. ثيودورا.. أول فيمنست عرفها التاريخ.. حققت ثورة فى مجال حقوق المرأة ومكانتها فى المجتمع.. أنشأ زوجها دير سانت كاترين تكريما لذكراها وتخليدا لاسمها

الإثنين، 21 مايو 2018 03:24 م
نساء على رقعة الشطرنج.. ثيودورا.. أول فيمنست عرفها التاريخ.. حققت ثورة فى مجال حقوق المرأة ومكانتها فى المجتمع.. أنشأ زوجها دير سانت كاترين تكريما لذكراها وتخليدا لاسمها ثيودورا
كتبت دينا عبد العليم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كثيرًا ما يطلق المجتمع أحكاما صادمة صارمة وقاسية على المرأة، يضعها فى مكانة مزرية فيحتقرها الجميع، ويستغلها بقبح خاصة إذا ما كانت السيدة تتمتع بالجمال، هذا ما حدث عبر التاريخ ويحدث، بين هؤلاء النسوة من تستسلم للحكم عليها ومنهن من تقاوم هذه النظرة وتتحدى المجتمع بل وتصل لأرقى مكانة فى المجتمع ويخلد ذكرها فى التاريخ، وهو ما فعلته «ثيودورا» الراقصة العاهرة التى عملت بالسيرك وعمرها كان أثنى عشر عاما، بعد وفاة والدها الذى كان يعمل فى السيرك فورثت هى مهنته حتى تستطيع أن توفر لنفسها هى وأختيها الاثنتين لقمة خبز، ولأنها كانت طفلة لا تستطيع التعامل مع الوحوش مثل والدها فاتجهت للرقص بناء على تعليمات والدتها، فرقصت فى الشوارع والاحتفالات الكبيرة لمدة تتراوح بين الأربع وخمس سنوات حتى اتسع صيتها وأصبحت أشهر وأجمل راقصة فى عهدها، ووقتها كانت الراقصات والعاملات بالمسرح والفنون والتمثيل يحكم عليهن المجتمع بالعهر وهو ما حدث فاستغلها عدد كبير من الرجال.
 
ولدت ثيودورا فى القسطنطينية عام 500 وعملت بالسيرك كما ذكرنا ولم تكن راضية عن حياتها ولا نظرة المجتمع لها ففرت إلى الإسكندرية وأخذت فى غزل الصوف وبعد فترة عادت إلى القسطنطينية من جديد بعد أن اختفت عن الأعيان سنوات محت فيها ذاكرة البعض من قومها عن كونها عاهرة وعززت ذلك باستمرارها العمل فى غزل الصوف، ووقتها وقعت أعين الإمبراطور جستنيان عليها وأحبها وكان عمره ضعف عمرها تقريبا، حيث كانت هى فى العشرين، وهو فى الأربعين، ولأنها من طبقة اجتماعية أقل وفى الأساس عاهرة وفقا للقوانين الإمبراطورية كان من المستحيل زواج جستنيان بها، إلا أنه بدافع قوتها وجمالها وذكائها وبدافع الحب استطاع جستنيان أن يقنع خاله الإمبراطور جستن الأول بإصدار مرسوم ملكى يسمح للأمراء وأعضاء مجلس الشيوخ بالزواج من عامة الشعب والعاملات بالسيرك والعاهرات وأصحاب الطبقات الدنيا من السيدات وهو ما حدث وتزوجت ثيودورا من جستنيان فى سابقة لم يعرفها العالم من قبل فالأمراء لا يتزوجون إلا الأميرات، لكنها بذكائها الشديد وقوتها استطاعت تحقيق هذه السابقة التى تعد ثورة فى مجال حقوق النساء فى المجتمع على مدى التاريخ.
 
على مدى فترة حكم زوجها جستنيان استطاعت أن تتدخل بقوة وذكاء فى كل أمور السياسية والاقتصاد بل يقال إنها كانت تفوقه فى القوة وتملى عليه ما يفعله لدرجة أنها أصبحت مستشاره الأقرب وصاحبة الرأى الأول والأخير فى أى قرار متعلق بالإمبراطورية، وركزت على حقوق المرأة فى مجتمعها فدفعته كثيرا نحو تحقيق مزيد من المساواة للسيدات خاصة من يظلمن مثلها، فطلبت من زوجها إصدار قانون آخر يساوى العاملات بالسيرك والمسرح والفنون معاملة السيدات من الطبقة الاجتماعية العليا، وعدم اعتبارهن عاهرات بعد الآن، بل قامت بما هو أقوى من ذلك وأنشأت ديرا خاصا للعاهرات، يقمن فيه ويحصلن على كل حقوقهن فى المجتمع مقابل توبتهن على أن يخرجن بعد فترة من هذا الدير سيدات كريمات تسقط عنهن تهمة العهر، وقصد هذا الدير كثيرات، يقال إن بعض السيدات أقمن فيه مددا طويلة وبعضهن لم تحتمل وفررن هربا إلى البحر من نوافذه.
 
كانت خيارات ثيودورا فيما يتعلق بمشاركتها فى الحكم دائمة أصعب لكنها الأقوى والأنجح لها ولزوجها وللإمبراطورية وتجسد هذا جليا فى موقفها أثناء اندلاع الثورة على زوجها والمعروفة فى التاريخ بثورة «نيكا» حيث أراد جستنيان الفرار والهرب إلا أن زوجته وقفت له وقالت جملتها الشهيرة «فى مثل هذه الظروف التى نواجهها ليس لدينا الوقت لمناقشة هل على المرأة أن تسكت إذا ما تحدث الرجال أم لا، وأرى أن هذا الوقت ليس مناسبا للفرار حتى لو فى ذلك الأمان كله فليس هناك شىء مضمون وكلنا يعلم أن لكل مولود يوما سيودع فيه الحياة، لكن ليس من اللائق على من أصبح إمبراطورا أن يهرب، وأنا أتخلى أبدا عن العباءة الإمبراطورية أما أنت فإن شئت أن تنجو بنفسك فليس ذلك صعبا ولا شىء يمنعك فالمال وفير والبحر وسيع والسفن كثيرة على الشاطئ، أما أنا سأتمسك بالقول القديم إن العباءة الإمبراطورية خير الأكفان»، فعدل زوجها عن فكرة الهرب وقاوم الثورة وتغلب عليها وأمرت ثيودورا بقطع رقبة «هيباتيوس»، قائد هذه الثورة وبعدها تمكنت من الحكم تماما. 
 
ولأن التاريخ لا يقدم لنا الحقيقة واضحة ولأن كل منا يرى التفاصيل كما يراها هو بوجهة نظره وبقناعته الشخصية ووفقا لأهوائه فكانت لثيودورا رواية أخرى وحكم آخر مختلف حيث صورها على أنها الشر المطلق فهى عاهرة طامعة استغلت جمالها للانتقام، وهو الرأى الذى اعتمد عليه الكاتب المصرى أنيس منصور فى كتابة «أوراق على شجر» حيث قال إن ثيودورا انتقمت من كل من استغلها وقت وصولها للسلطة فتذكرتهم جميعا وأمرت بالزج بهم فى السجن مقابل استغلالهم لها فى الماضى، ولم يكن السجن مصير من استغلها فقط بل مصير كل من يعارضها أو يعارض حكمها، كما قامت بإنشاء دير للعاهرات والمعروف ببيت التائبات، حبست فيه العاهرات وكن غاضبات من هذا، فدخلت عليهن وقالت لماذا الغضب فهذا البيت أفضل من أن يدوس الرجال على رقبتكن، وهنا ردت عليها أحدهن قائلة «خير من أن تفعل امرأة» فى إشارة منها أن ثيودورا ظالمة وتستغلهم مثل الرجال، كما جسدت الروايات عنها موقفا آخر للقمع والشر وهى أن الشعب ثار ضدها بسبب الجوع فخرجت عليهم وقالت إنها ستفتح لهم مخازن القمح ويحصلون على الخبز والطعام كما ستقيم لهم الاحتفالات مجانا ليتمتع الجميع، وفعلت ذلك وأثناء الاحتفالات أمرت جنودها بإطلاق السهام على الشعب الذى كان ثائرا ليموت ثلاثين ألفا من الشعب، وقد تكون الرواية صادقة لكن فى سياقات لم يذكرها التاريخ مثل أن ثمة مؤامرات تحاك ضد الإمبراطورية استغلت الشعب ودفعته نحو الثورة ضد الحاكم فكانت هى صارمة فى رد فعلها وقوية كعادتها فاختارت أن تتصدى لها مقابل الحفاظ على مملكلتها شأنها شأن كثير من الحكام مثل موقف محمد على فى مذبحة القلعة، فكيف تحقق سيدة كل هذه الإنجازات والانتصارات لنفسها ولزوجها وللمرأة وللإمبراطورية بينما تسعى للانتقام فقط، ولا يشغلها سوى الدم؟!
اختلفت الروايتان حول ثيودورا لكن تبقى الرواية الأقرب والأكثر انتشارا هى الرواية التى تتحدث عن قوتها ومشاركتها الإيجابية فى الحكم وانتصارها للمرأة وحقوقها فى المجتمع وتحقيق ثورة كبيرة فى مجال حقوق النساء واحترامهن ومعاملتهن معاملة كريمة خاصة من يحكم عليهن المجتمع بالعهر لمجرد أنهن عاملات بالسيرك أو المسرح وأجبرت المجتمع على احترامهن فى زمن كانت مثل هذه الأمور، كما ازدهرت المملكة جدا وقت حكمها وهو ما دفع زوجها الأمبراطور لبناء دير سانت كاترين عام 560، بينما توفيت هى بسرطان فى المعدة عام 548، وذلك تخليدا لذكراها وذكراه على مر التاريخ كما هو مذكور فى البيان التأسيسى للدير. 









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة