عشرات الإعلانات تخاطب قلوب المشاهدين فى رمضان للتبرع، جمعيات ومستشفيات تتزايد عاما بعد آخر، منها جهات يعرف الناس جديتها من خلال ما تقدمه من خدمات صحية أو إنسانية أو إعانات للفقراء، وجهات أخرى لم تتح فرصا للناس أن يعرفوا جهدها، هناك جهات ناجحة فى الحملات الدعائية والترويجية بشكل أكبر من جهات أخرى تقدم خدمات جيدة، لا تحظى بالدعاية الكافية، بما يحرمها من تبرعات ودعم لجهودها.
لا توجد إحصائيات أو أرقام دقيقة عن حجم التبرعات والأموال التى تذهب إلى العمل الخيرى، الأرقام غير الرسمية تشير إلى أن حجم مساهمات الطبقة الوسطى والعاملين بالخارج فى العمل الخيرى تتجاوز ثلاثة أرباع التبرعات، وأن قليلا من رجال المال فقط أقاموا مؤسسات تطوعية أو أهلية تقدم الخدمات بشكل منتظم.
هناك جهات تقدم خدماتها بالمجان وتحتاج إلى الدعم فعلا، ومنها المعهد القومى للأورام، الذى يستحق الدعم ليستمر ويطور تقديم خدماته المجانية، وأيضا حتى يمكن إقامة مستشفى 500-500، الذى يتوقع أن يستوعب أعداد المرضى المتزايدة.
أيضا نجد تجربة مستشقى سرطان الأطفال 57357، ناجحة بدرجة كبيرة، ليس فقط فى جمع التبرعات, لكن أيضا بالحفاظ على الخدمة الطبية والبحث والتطوير وأعداد الكوادر التى يمكنها استيعاب التكنولوجيا والأبحاث الحديثة.
ونفس الأمر ينطبق على مركز الدكتور مجدى يعقوب للقلب فى أسوان، وهو من الجهات التى تكشف كيف يمكن للثقة أن تبنى جسورا من قلوب الناس، لتدعم الأفكار والتحركات الجادة.
مركز القلب فى أسوان أقام نظاما طبيا وإداريا يقوم بدرجة كبيرة على المساواة بعيدا عن المحسوبية أو الوساطة، وبالتالى لا يشعر المريض بالتمييز أو التفرقة، ونفس هذه القواعد سادت فى كل صرح طبى أو إنسانى ناجح، ومنها معهد الكلى بالمنصورة الذى يرتبط باسم العالم الدكتور محمد غنيم.
وكلما شعر الناس بالثقة فإنهم لا يبخلون بالتبرع لهذه الجهات، لكن الظاهرة التى تحتاج إلى مراجعة هو تزايد أعداد الجهات التى تطلب التبرعات التى يمكن أن تسبب تشويشا وأيضا قد ينجح الأكثر دعاية من الأكثر خدمة.
هناك اقتراحات بتوحيد جهود جمع التبرعات بشكل يمكن من خلاله توجيه الأموال لمصارفها الصحيحة.
صحيح أن مخاطبة قلوب الجمهور للتفاعل والتبرع قد تكون إنسانية وإيجابية، لكنها أحيانا تعطى انطباعات بوجود تضارب فى المصالح والجهات بالشكل الذى يضعف من قدرتها على جمع أموال وتقديم خدمات بشكل إنسانى، وبالتالى تتحول ظاهرة لها وجهها الطيب مع التزاحم والإلحاح إلى شكل مستهجن لا يثير التعاطف بقدر ما يثير الخوف والشك.
يضاف إلى ذلك أن توزع التبرعات وموسميتها وارتباطها بحجم الدعاية، مما يمنع من تطور هذه المؤسسات لتتحول إلى مجتمع مدنى حقيقى يتجاوز حالة الاستجداء، إلى مجتمع واع يعرف أهمية وقيمة العمل التطوعى والإنسانى.
مع الأخذ فى الاعتبار أن أكبر المستشفيات والمبرات الأهلية بل والجامعات والمدارس، أقيمت بجهود أهلية وتمويل من أغنياء وقادرين وأيضا متبرعين من الطبقة الوسطى، وهى جهود تتميز بمنهجية نواة لمجتمع أهلى ومدنى حقيقى، لا يرتبط فقط بالقدرة على الدعاية، وإنما بحجم ما يقدم من جهود حقيقية.