الدبلوماسية لم تكن يوما أمرا سهلا بالنسبة لتايوان وازدادت تعقيدا بما أنها عالقة بين الولايات المتحدة فى عهد رئيس لا يمكن التنبؤ بقراراته من جهة، والصين التى يتنامى نفوذها وتعتبر الجزيرة التى تتمتع بحكم ذاتى جزءا من أراضيها من جهة أخرى.
وفى أقوى تصريح لها بشأن ضغوط الصين، القت الرئيسة التايوانية تساى انج وين باللوم على بكين بعدما قطعت بوركينا فاسو علاقاتها مع تايبيه الخميس.
وقالت تساى إن الصين تظهر شعورها بعدم الأمان حيال "التطورات المهمة فى العلاقات بين تايوان والولايات المتحدة والدول الأخرى التى تفكر بطريقة مشابهة".
ولا تزال الولايات المتحدة الحليف الأقوى لتايوان ومصدرها الرئيسى للسلاح رغم أنها تخلت عن علاقاتها الدبلوماسية الرسمية معها فى 1979 عندما اعترفت بالنظام الشيوعى الصينى بصفته السلطة الصينية الشرعية الوحيدة.
وخلال الأشهر الأخيرة، قامت واشنطن بسلسلة تحركات أظهرت من خلالها انفتاحا على تايوان. فقد وقع الرئيس دونالد ترامب قانونا رمزيا يفسح المجال لتبادل الزيارات بين مسؤولين رفيعين من البلدين، بينما وافقت واشنطن على رخصة لبيع التكنولوجيا المرتبطة بالغواصات لتايبيه فى خطوة انتظرتها الأخيرة طويلا.
والعلاقة بين تايوان والولايات المتحدة ضرورية لامن الجزيرة، لكن على تايبيه كذلك تجنب إغضاب الصين التى تعد أكبر مصدر تهديد عسكرى بالنسبة لها والسوق الأهم لاقتصاد الجزيرة المبنى على الصادرات.
ووصف المسؤولون فى بكين التدريبات العسكرية الصينية المتزايدة قرب تايوان بانها تحذير من أى محاولة تقوم بها الجزيرة للتأكيد على سيادتها. ويرى محللون أنها رسالة إلى واشنطن ايضا.
وقال وزير الخارجية التايوانى جوزيف وو الذى رفضت تساى استقالته على خلفية إعلان بوركينا فاسو، فى وقت سابق هذا الشهر أن تحسين العلاقات بين تايوان والولايات المتحدة يجب أن يتم "بحذر كبير".
وأكد أن الحكومة تسعى إلى "احراز تقدم فى المصالح الثنائية دون التسبب بأى نوع من المشاكل لأى طرف آخر"، تعتبر تايوان نفسها دولة ذات سيادة لكنها لم تعلن يوما بشكل رسمى انفصالها عن الصين فى وقت ترى أن إعادة التوحيد هو هدفها النهائي.
ومنذ وصول تساى إلى السلطة قبل عامين، ازدادت عدائية بكين التى لا تثق بالحزب الحاكم للجزيرة المؤيد تقليديا للاستقلال.
وتستخدم الصين نفوذها لابعاد تايوان عن المناسبات الدولية وللضغط على الشركات لوصف الجزيرة بأنها إقليم صينى فى مواقعها الالكترونية، وفى محاولة للتخفيف من محاصرة بكين لها، تبذل تايبيه جهودا لكسب المزيد من الدعم الدولى.
وتعمل تساى على إقامة علاقات تجارية جديدة والتعاون مع دول أخرى بما فى ذلك عبر سياسة "التوجه جنوبا" التى تستهدف 16 دولة من جنوب وجنوب شرق آسيا إضافة إلى استراليا ونيوزيلندا.
وقال مدير معهد سياسة الصين فى جامعة نوتينغهام جوناثان سوليفان إن "تايوان تحتاج الى تشكيل تحالف أوسع للأصدقاء الراغبين من اجل استكمال للدعم الذى تحظى به من الولايات المتحدة". لكنه أكد أن الولايات المتحدة لا تزال تعد الأولوية بالنسبة للجزيرة فى مجال العلاقات الخارجية بسبب نفوذها.
يشير محللون إلى أن تنامى خيبة الأمل من بكين دفع الولايات المتحدة الى اتخاذ اجراءات داعمة لتايوان فى وقت تزداد حدة التوترات بين أكبر قوتين اقتصاديتين فى العالم فى ظل القلق بشأن نفوذ الصين فى المنطقة.
وقال وليام ستانتون الذى ترأس من 2009 حتى 2012 "المعهد الأمريكى فى تايوان" (سفارة الولايات المتحدة فى تايبيه بحكم الأمر الواقع) إن العلاقات مع الصين "لم تعد تخدم المصالح الأمريكية".
وتتناقض تايوان التى يمكن اعتبارها البلد الأكثر ليبرالية فى آسيا، مع الصين الشيوعية الخاضعة لحكم الحزب الواحد وتعد حليفا استراتيجيا فى المحيط الهادئ بالنسبة لواشنطن فى مواجهة طموحات بكين التوسعية.
وستتركز جميع الأنظار على المسؤول الذى ستقرر الإدارة الأمريكية إرساله بمناسبة افتتاح المقر الجديد لمجمع مكاتب "المعهد الأمريكى فى تايوان" الشهر المقبل والذى كلف 250 مليون دولار.
لكن بعض المراقبين يشيرون إلى نهج ترامب المتقلب فى السياسة الخارجية ويخشون من إمكانية استخدامه لتايوان كورقة تفاوض مع الصين.
وقال تينغ شونغ-شيان استاذ الدبلوماسية فى جامعة شينجشى الوطنية فى تايبيه "قد يبدو أن الوضع فى الولايات المتحدة يبعث على التفاؤل بالنسبة لتايوان. لكن حتى الآن، لم نر ما هى الفوائد التى يأتى بها ذلك علينا".
وأضاف أن الولايات المتحدة لم تمنح تايوان معاملة خاصة فى مجال التجارة كتخفيف الرسوم على الفولاذ والألمنيوم عليها.
وقال الخبير السياسى فى جامعة "ستانفورد" هاريس تيمبلمان إن أى دعم أمريكى يؤكد على مطالبة تايوان بالسيادة قد يثير "ردا قاسيا" من بكين.
لكن وزير الخارجية وو استبعد إمكانية استخدام تايوان ورقة تفاوض من قبل الولايات المتحدة. وقال إن الجزيرة لديها "أصدقاء جيدون" فى إدارة ترامب، وأضاف "بإمكاننا محاولة تقدير الأمر الذى يصب فى مصلحة تايوان بشكل أكبر والسعى لإيجاد السياسة الأمثل" لتايبيه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة