القراءة السريعة للبيانيين الصادرين عن وزارة الخارجية، بشأن ما أثير حول ضبط السلطات الإيطالية عشرات القطع الأثرية المصرية بعد تهريبها من ميناء الإسكندرية، وتمت مصادرتها بميناء ساليرنو الإيطالى، تشير إلى وجود غموض شديد يتطلب تدخلا أكثر فاعلية من الوزارة وسفارتنا فى روما، للوقوف على الحقيقة كاملة، لأن الموضوع من الواضح أن به الكثير من التفاصيل الغائبة عنا، أهمها على الإطلاق أننا كنا آخر من نعلم، رغم أن الواقعة مر عليها أكثر من عشرة أشهر، ولم تكشف عنه إلا صحيفة «ايمو لا اوجى» الإيطالية التى تحدثت عن تفاصيل لو صحت لتطلبت التدخل السريع.
الصحيفة قالت إن حاويات هبطت من السفينة فى ميناء ساليرنو، وتم العثور على قناع مصرى ذهبى، وتابوت حجرى، وقارب يحوى 14 مجدافا، وتجرى حاليا تحقيقات لتتبع منشأ هذه القطع القيمة، التى لا تمثل سوى جزء صغير مما يحمل فى الحاوية، وهو أيضا ذو قيمة كبيرة، ووفقاً للصحيفة، فإن القطع الأثرية كانت تسافر على حمولة دبلوماسية، مشيرة إلى أن المدعى العام فى ساليرنو يحقق فى تلك العملية، خاصة أن تلك القطع الأثرية كانت قد بيعت فى السوق السوداء، وقيمتها لا تقدر بثمن.
وزارة الخارجية فى البيان الأول نفت ما نشرته الصحيفة الإيطالية، خاصة فى الجزئية المتعلقة بضبط الآثار ضمن حاوية تابعة للسفارة المصرية فى روما أو أحد أعضائها، وقالت الوزارة فى البيان الصادر عن المستشار أحمد أبوزيد، المتحدث الرسمى باسم الوزارة، أن شرطة الآثار والسياحة الإيطالية قامت بإبلاغ السفارة المصرية فى روما 14 مارس الماضى بعثورها على 23700 قطعة أثرية من بينها 118 قطعة مصرية فى حاوية دبلوماسية، حيث قامت السفارة على الفور، طبقا للإجراءات المتبعة فى مثل هذه الأحوال، بإرسال أسطوانة تحمل صور القطع إلى القطاع الثقافى بوزارة الخارجية فى القاهرة لموافاة وزارة الآثار بها للتحقق من مدى كونها آثارا أصلية، وللإجابة عن استفسارات الجانب الإيطالى فى هذا الصدد لاستكمال التحقيقات.
وأكمل أبوزيد بيانه بقوله إن السفارة المصرية فى روما قامت بالتواصل مع نائب قائد الإدارة العامة لشرطة السياحة والآثار ووزارة الخارجية الإيطالية لاستيضاح ما إذا كانت الحاوية خرجت من ميناء الإسكندرية أم تم تداولها فقط فى الميناء، خلال رحلتها إلى إيطاليا والجهة الراسلة للحاوية، وجنسية الدبلوماسى المصدر للشحنة، وتاريخ خروجها، وأفاد الجانب الإيطالى بأن اتصالاتهم مع إدارة الجمارك بالميناء تشير إلى أن الآثار تم العثور عليها العام الماضى، والشحنة لم تكن لدبلوماسى مصرى وتخص مواطنا إيطاليا، ووفقاً لبيان الخارجية، فإن الجانب الإيطالى وعد بتقديم المزيد من الإيضاحات بشأن تاريخ خروج الحاوية والجهة المصدرة فى أقرب فرصة بعد الحصول على إذن جهات التحقيق.
إلى هنا الأمر يدور فى اتجاهين، الأول هو أن الخارجية تحاول نفى ما قيل بتورط أحد الدبلوماسيين فى سفر القطع الأثرية، والثانى هو الوصول إلى أى معلومة جديدة بخلاف ما نشرته الصحيفة الإيطالية، وبعد يومين من نشر البيان الأول، يبدو أن السلطات الإيطالية لم تسلم مصر ردوداً على تساؤلاتها، فقامت الخارجية المصرية باستدعاء «ستيفانو كاتانى» القائم بالأعمال بالإنابة، وتم إبلاغه بعدد من الأمور منها أنه لم يتم إبلاغ السفير المصرى بالواقعة إلا فى شهر مارس 2018 أى بعد مرور نحو عشرة أشهر، وهو ما يثير العديد من التساؤلات لدى الحكومة المصرية حول أسباب التأخر فى إبلاغنا بالواقعة، خاصة فى ضوء العلاقات الوطيدة بين البلدين، فضلاً عن الاستفسار عن هوية المواطن الذى أشارت الصحف الإيطالية إلى أن الطرد الدبلوماسى تابع له، والتأكيد للدبلوماسى الإيطالى على أهمية إنهاء التحقيقات فى تلك القضية فى أقرب فرصة ممكنة، لاستجلاء الحقيقة أمام الرأى العام المصرى، وضرورة استعادة الآثار التى يثبت أنها آثار حقيقية من قبل وزارة الآثار المصرية، فضلا عن ضرورة تكثيف التعاون الثنائى فى مجال مكافحة الاتجار غير المشروع فى الآثار، وكلها أمور وعد القائم بالأعمال بالإنابة الإيطالى بالتواصل مع السلطات المعنية فى بلاده من أجل سرعة استجلاء الحقيقة أمام الجانب المصرى.
بيان وزارة الخارجية لم يقل أن الجلسة التى جمعت مساعد الوزير للمراسم مع الدبلوماسى الإيطالى «استدعاء»، وإنما وصفها بالاستقبال، ومع الفارق الكبير بين الوصفين فى العرف الدبلوماسى، لكن الميل إلى أن الأمر استدعاء، لأن ما يحدث فى هذا الملف يثير الكثير من الشكوك، وهو أكبر من فكرة عقد جلسة استقبال مع دبلوماسى، وعلى الخارجية ومعها سفارتنا فى روما أن يكونا أكثر حزماً فى هذه الواقعة، فلا يصح أبداً أن نكتفى ببيان أو «استقبال».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة