ما الذى يعطى هوليوود تاج السيادة على السينما العالمية؟ سؤال قد يرى البعض إجابته سهلة دون تفكير وهى أن هوليوود هى الأغنى وبالتالى فهى التى تملك أن تتسيد، أو أنها الأذكى من الجميع وبالتالى فمن حقها أن تتسيد، ولكن أعتقد أن كل تلك الإجابات ليست كاملة بل هى مجرد جزء من الصورة فقد تكون هوليوود هى الأغنى وقد تكون هى الأذكى ولكن هذا ليس بكاف لكى تتسيد دور العرض فى كل العالم، فظنى أن شمول فكر هوليوود العالمى هو ما يمنحها القوة والمُلك على عقول البشر مهما اختلفت ألوانهم أو لغتهم.
أما شمول الفكر فالمقصود به هو تلك القدرة على أن تصور هوليوود أفلامًا لا تخص شعبها، بل هى تعتبر نفسها المتحدثة باسم كل الشعوب فمن حقها أن تقدم فيلمًا يحكى قصة كليوباترا المصرية.. ونحن وغيرنا نصدق أن ليز تاليور هى كليوبترا، ومن حقها أن تقدم سبارتاكوس الرومانى يتحدث الإنجليزية.. ونحن نصدقها، ومن حقها أن تقدم المسيح الفلسطينى.. ونحن نصدقها، ومن حقها أن تقدم هتلر الألمانى.. ونحن نصدقها، ومن حقها أن تقدم غاندى الهندى.. ونحن نصدقها، وهكذا استطاعت السينما الأمريكية أن تمنح نفسها حق الحديث باسم الكل وعن الكل كما ترى وتحب.. ونحن نصدقها.
فماذا عنا نحن أصحاب السينما من بين الأقدم فى العالم لماذا لا نستطيع أن نقدم إلا أنفسنا على استحياء ولا نمنح نفسنا حق الحكى عن آخرين، بل حتى حين نحكى عن اليهودى أو الإنجليزى أو الهندى نأتى به يتحدث بشكل ولغة تبعث على السخرية أكثر منها على التصديق.
وما سأسرده حكاية من حكايات البشر لم تحكِها السينما العالمية وأتمنى أن أجد مخرجا ومنتجا مصريا يتصديان ليحكيان عنها سينمائيًا أو تليفزيونيًا.
وأما الحكاية فقد بدأت فى عام 1828 يوم 8 مايو حين ولد رجل اسمه هنرى دونان فى العاصمة السويسرية جنيف، لأسرة ميسورة وكبر الشاب وترك دراسته الأكاديمية، ليقرر أن يدخل عالم رجال الأعمال، وكانت فى ذلك الزمان المستعمرات هى التى تمنح الثروة، فانتقل إلى الجزائر التى كانت تحت الحكم الفرنسى، ولكنه واجه مشكلات إدارية، فقرر أن يلتقى بالحاكم الفرنسى ليحل له تلك المشكلات، وكان نابليون الثالث هو حاكم فرنسا وملكها المتوج، فذهب دونان لفرنسا للقاء الحاكم ولكنه لم يجده فقد كان نابليون فى إيطاليا يقود جيشه لحرب فى سولفرينو ضد الجيش النمساوى الذى يسعى لتحرير إيطاليا.
فشد دونان الرحال لسولفرينو للقاء نابليون، وهناك شاهد دونان مشاهد احتضار أكثر من 40000 جندى يحتضرون دون أن يستطيع إنقاذهم أحد، فسارع بمساعدة من السكان المحليين إلى تنظيم أولى المساعدات للجرحى والمرضى، وعند عودته لجنيف ألف كتاب عن تجربته بعنوان «ذكرى من سولفرينو» وطور فكرته لينشئ أول منظمة لمساعدة جرحى الحروب، ثم اجتمع مع خمسة رجال فى شقة فى المدينة القديمة بجنيف ليؤسسوا منظمة دولية للصليب الأحمر وأول بذرة لاتفاقية جنيف تضع قواعد للحرب والمعاملة الإنسانية للجرحى. ثم تأتى دراما الواقع لتحط على حياة دونان التى وهبها لخدمة البشر ونسى تجارته فأفلس، وعاش مريضًا منسيًا إلى أن أشار لوجوده صحفى ألمانى فى تحقيق لقى شهرة واسعة عام 1895، فعاد اسم دونان يتردد، وحصل فى عام 1901 على أول جائزة لنوبل للسلام فى العالم.
وعلى الطرف الآخر من العالم كان الشيخ محمد عبده المصرى التنويرى فى عام 1898 يشكل أول جمعية للهلال الأحمر لمساعدة جرحى الجيش المصرى فى السودان، وكل جريح فى الحرب بغض النظر عن كونه يمثل جيش بلاده أو أعدائه.
وهكذا تشكل الهلال الذى كان رمز علم الدولة العثمانية والصليب رمز علم سويسرا، وراحا معًا يسجلان قصة إنسانية درامية من الطراز الرفيع.
يا أهل السينما والدراما التليفزيونية لما لا تحلقوا فى الأفق وتسجلوا لنا وللعالم ما نسوه والحمد لله أنهم نسوه لعلنا نغتنم الفرصة.