يقول عنه العلامة الطرطوشى، إنه اجتمع فيه العقل والفهم وممارسة العلم، ويشهد له الإمام ابن الجوزى بأنه وضع الكتب الحسان فى الأصول والفروع التى انفرد بحسن وضعها وترتيبها وتحقيق الكلام فيها، أما الإمام الذهبى فيقول إنه «أعجوبة الزمان، وزين الدين، أبوحامد صاحب التصانيف والذكاء المفرط»، أما الحافظ ابن كثير فيعتبره من أذكياء العالم فى كل ما تكلم فيه، وهو الفقيه الشافعى الكبير الذى يقول عنه الإمام العلامة السبكى، إنه حجة الإسلام وجامع أشتات العلوم والمبرز فى المنقول منها والمفهوم، كما أنه ولى من أولياء الله الصالحين، وأحد الصديقين، وقال عنه العارف بالله المتصوف الكبير أبوالعباس المرسى: أشهد له بالصديقية الكبرى، أما ابن النجار فيقول فيه إنه «إمام الفقهاء على الإطلاق، وربانى الأمة بالاتفاق ومجتهد زمانه وعين وقته وأوانه».
هو الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالى الذى وصفه فقهاء عصره بأنه «إمام الفقهاء»، لكن منهج الإمام فى فقهه ابتعد عن المعنى المتداول عن الفقه من حيث هو إسراف فى التفصيلات، وتقييد بالجزئيات، وبرغم أن للإمام كتبا فقهية سارت على النحو النمطى، لكن يجمع الكثير من العلماء والمتخصصين على أن شذرات فقهه المنسابة فى كتبه خاصة «إحياء علوم الدين» أصدق فى تعبيرها عن فقه الإمام، ويضع الإمام فى كتبه ما يمكن أن نطلق عليه اسم «فقه الأولويات» فنجده يقر بأنه إن استحالت الواجبات كلها فيجب على المسلم أن يرتبها حسب الحاجة إليها، فنجده مثلا يقول: تقدم الفرائض على النوافل، وتقدم فروض الأعيان على فروض الكفاية، ويقدم فرض الكفاية الذى لا قائم به على ما قام به غيره، ويقدم الأهم من فرض الأعيان على ما دونه، وتقديم ما يفوت على ما لا يفوت، ويتخذ من حديث رسول الله عن تفضيل الأم على الأب فى الصلة، فيقول: «ينبغى على الإنسان أن يبدأ فى الصلة بالأقرب، فإن استويا فبالأحوج، فإن استويا فبالأبقى»، ولا يتورع الإمام الذى رأى الفقراء يموتون جوعا ومرضا فى الإفتاء بتفضيل التصدق على الفقراء بأموال الحج إن أدى الإنسان الفرض، قائلا: إن الأفضل لمن يحج وينفق ألفى درهم أن يسد دين مدين، أو يكفى فقيرا عن التشرد، أو يغنى عائلا عن السؤال، أو يفرح من يربى اليتيم، قائلا: إن إدخال السرور على قلب مسلم أو إغاثة لهفان أو كشف الضر عن إنسان وإعانة الضعيف أفضل عند الله من مائة حجة بعد حجة الإسلام، كما حارب الإمام الأغنياء البخلاء الذين «يمسكون الأموال بحكم البخل»، ثم يشتغلون بالعبادات البدنية كالصيام والقيام وختم القرآن، قائلا: «إنهم مغرورون مخدعون».
ولننظر بعد ما عرفناه من علم الإمام وفضله على الإسلام والمسلمين إلى مقولته الخالدة التى تعكس إيمانه القوى، وتواضعه الجم، لنقف على أهم مميزات هذا الرجل الذى أصبح علامة مضيئة فى تاريخ الإنسانية، ومع ذلك يقول إنه مازال محتاجا إلى الاتعاظ قبل أن يعظ الناس، فقد قيل له: لماذا لا تكثر من الوعظ؟ فقال: أما الوعظ فلست أرى نفسى أهلا له، لأن الوعظ «زكاة» نصابه «الاتعاظ»، ولا يخرج الزكاة من لم يبلغ النصاب.
• نشرت هذه الحلقات بشكل مطول فى رمضان 2012 تحت عنوان «فقهاء التنوير» وأعيد نشرها احتفالا بشهر رمضان الكريم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة