بالأمس تناولت مسألة عزم وزارة الآثار على افتتاح متحف مصر الكبير جزئيا في ديسمبر القادم ، مؤكدا أن هذا الافتتاح المزعوم إهانة لمصر وتاريخها ، وإهانة لحلمنا الرامي إلى إنشاء متحف مصري عالمي ينافس المتاحف العالمية ، وفي الحقيقية فإني أتعجب تماما من تلك السياسة المتعجلة المتلهفة للحصول على إنجاز بلا إنجاز، والتصدر في وسائل الإعلام في صورة البناة والحقيقية تؤكد أننا نخرب ولا نبني، كل هذا دون خطة أو وعي أو تبصر، فوزارة الآثار تدعي أنها إذا ما افتتحت المتحف الكبير جزئيا ستستطيع تمويل بقية المشروع، وهو أمر مناف لكل منطق، فحتى الآن لم تحصل الوزارة على تأكيد أي جهة مانحة بأنها ستدفع حصة من التمويل إذا ما افتتحت المتحف جزئيا ، وحتى الآن لم تعلن وزارة الآثار عن خطتها لافتتاح المتحف ، وكل ما هو معلن أن الوزارة ستفتتح معرض لمقتنيات أشهر ملوك الفراعنة توت عنخ آمون، بالإضافة إلى الدرج العظيم الذي يضم حوالي 67 تمثالا لملوك الفراعنة ، وهنا يجدر السؤال: هل هذا هو المتحف المصري الكبير الذي حلمنا به ؟ وهل هذا هو ما سنفتخر به أمام العالمين ؟
الكبير يصنع الكبير ، والصغير يستكبر الكبير ، ورؤيتي الشخصية إن هذا الافتتاح المزعوم لا يعتبر إهانة لحلم المتحف الكبير فحسب ، بل يعتبر إهانة لمصر أيضا ، فمصر الآن تقدم نفسها للعالم باعتبارها الدولة صاحبة الأحلام العريضة، وصاحبة المشروعات الجبارة، وبناء على هذا أنجزت مصر مشروع "قناة السويس الجديدة" في مدة قياسية، وشرعت في المشاريع الإسكانية الجبارة، وشقت أميالا من الطرق الجديدة لتدعم البنية التحتية، وقضت تماما على فيرس سي، وكسرت شوكة الإرهاب في سيناء، كل هذا أسهم في بناء صورة حضارية إيجابية عن مصر ونظامها الحاكم، فمعنى أن تأتي وزارة الآثار وتفتتح متحف مصر الكبير جزئيا فهذا يوحي شيئين الأول : إن مصر لم تستطع إنجاز المشروع الذي حلمت به فاكتفت بأصغر الصغائر ، أو أن مصر لا تفكر في الثقافة ولم تستطع إنجاز مشروع ثقافي واحد من بين كل هذه المشاريع التي تنجزها.
يقول المعجم في تعريف معنى الإنجاز "أنجزَ يُنجز ، إنجازًا ، فهو مُنجِز ، والمفعول مُنجَز، أنجزَ على القتيل : أَجهزَ عليه، أَنْجَزَ وَعْدَهُ : وَفَّى بِهِ، ونَجَزَ الشيءُ : تمَّ وقُضِيَ، نَجَزَ وَعْدَهُ : قَضَاهُ ، أَنْهَاهُ ، أَتَمَّهُ، ونَجِزَ الشيءُ : حصَلَ وتمَّ، كل ما سبق من شرح لمعنى الإنجاز يؤكد أن كلمة إنجاز تعني الإتمام والانتهاء والكمال، فلماذا نزيف اللغة ونزيف الحلم ونزيف الواقع ونعيش في الهدر لكل ما هو حقيقي.
