المشهد السياسى الحزبى يبدو لى أقرب إلى فيلم كارتونى..
شخصيات أسطورية وأحداث تتخطى حاجز الخيال
الأبطال فى الأفلام الكارتونية يحققون أحلامهم فى غمضة عين، ويطيرون بلا أجنحة، ويستخدمون البساط الطائر والفانوس السحرى وخاتم سليمان، أمراء الأفلام الكارتونية يتزوجون من سندريلا، ويحاربون الساحرة الشريرة، ويحكمون العالم قبل نهاية زمن الفيلم فى ساعتين كاملتين، ويؤسفنى أن هذا الخيال الكارتونى يسيطر أحيانًا على الساحة السياسية الحزبية فى مصر إلى الحد الذى يتصور فيه البعض أن أحلامه الحزبية يمكن أن تتحقق بنفس الطريقة التى تنجح بها شخصيات أفلامه الكارتونية المفضلة.
أنت لا تستطيع أن تدير حزبًا لتحكم بلدًا بالكامل بمجرد الأحلام الساحرة والفاتنة، كما أنك لا تستطيع أن تقيم حزبًا لا دور له سوى الهجوم على الأحزاب الأخرى، أو أنك تريد من الأحزاب التى تتشكل منها السلطة فى وقت ما أن تسلمك هذه السلطة طوعًا ورضاء.. لا يوجد فى السياسة خدمة توصيل السلطة إلى المنازل، يؤسفنا أن «السياسة لا تعرف الديلفرى»، وعليك أن تخدم نفسك بنفسك إن كنت جادًا فى العمل الحزبى، وتريد لأفكارك ورؤيتك وخططك للحكم أن ترى النور يومًا ما، وأن تكون أنت «حزب السلطة» بدلًا من أن تصبح ديكورًا غير مؤثر فى المشهد السياسى فى البلاد.
الآن تسمع أنت من جديد نغمة «حزب السلطة»، تزامنًا مع بعض الحراك داخل ائتلاف دعم مصر، أو فى كواليس حزب مستقبل وطن، ما أن بدأ الحراك الحزبى بين تكتلات برلمانية كبيرة، حتى بدأ معه فى نفس التوقيت الوباء الفيروسى للأفلام الكارتونية.. الأبطال الخياليون يصرخون فى خلفية المشهد، تحذيرًا من مارد أسطورى اسمه «أحزاب السلطة»، وكأن الأحزاب الكبيرة تولد لتسلم «السلطة» إلى الأحزاب الصغيرة، لا أن تنافس على السلطة، بما لديها من إمكانيات ونواب وأفكار مشتركة، تريد بعض الأحزاب العرجاء أن يبدو المشهد كما لو أنها كيانات مظلومة تنتظر سوبر مان أو سبايدر مان ليأخذها فورًا إلى رأس السلطة، ويطيح بالكيانات الكبيرة التى يصنفونها الآن على أنها «أحزاب سلطة»، المشهد كله كارتون فى كارتون.
هل تعلم يا سيدى أن فكرة الأحزاب فى النظم الديمقراطية قامت بالأساس لتتنافس على السلطة؟
وهل تعلم أيضًا أن الديمقراطية تعنى أن يكون هناك حزب كبير فى السلطة، وحزب كبير خارج السلطة، أو تتساوى قيم الحزبين، فيعقدان ائتلافًا سياسيًّا لتقاسم السلطة؟
هل تعلم أيضًا أنه لا قيمة لأى حزب سياسى إن لم ينافس على الفوز بهذه السلطة؟
أنت إذن حين تتهم حزبًا بأنه «حزب السلطة»، فأنت لا تقدم طعنًا فى قيمة هذا الحزب، بل على العكس تسوقه إلى الناس بأنه هو الذى يشكل هذه السلطة، ويحمى أفكارها جماهيريًّا، ومن ثم هو الأقرب إلى الناس، والأجدر بهذه السلطة.
الديمقراطية هى ساحة منافسة واسعة تتسابق فيها الأحزاب على السلطة، ودورك الأساسى فى العمل الديمقراطى هو أن تثبت للناس أن حزبك هو الأجدر بالحكم، والأنسب فى الإدارة، والمؤهل لتقديم وزراء ومسؤولين ومحافظين ورؤساء جمهورية، لتكون بين يديك السلطة، وتطيح بمنافسك إلى مقاعد المعارضة.
هذا بالمنطق الفكرى والسياسى.. أما إذا كنت تقصد بوجود حزب للسلطة أن تضرب تيارًا معينًا تحت الحزام، وتطعن فى «السلطة الحالية»، وتصورها بأنها أرادت أن تنشئ لنفسها حزبًا يحمى أفكارها، ويساند سياستها فى الإدارة، فإننى أقول لك أيضًا إن تيار الحكم الحالى فى مصر أسس لأفكار سياسية واقتصادية ساندتها كل الأحزاب السياسية الممثلة فى البرلمان الحالى، وربما يبدو فى حكم «الضرورة الحتمية» أن تجد هذه الأفكار من يساندها، ويجد هذا التيار تشكيلًا سياسيًّا حزبيًّا يواصل هذه المسار لاحقًا، فالأشخاص زائلون لا محالة، هذا هو قدر الله فى الأرض، لكن الأفكار تبقى خالدة، وتحتاج مصر بلا شك أن تتبلور خططها السياسية والاقتصادية التى حظيت بإجماع وطنى، وتتجسد فى كيان حزبى يواصل العمل فى نفس الاتجاه حتى لا تكون البلاد حقلًا للتجارب الفردية، وساحة للمغامرات غير المحسوبة.. كان هذا مطلبنا جميعًا تقريبًا منذ اليوم الأول لدولة 30 يونيو، السلطة الحالية لم تقدم دعمًا لأحد، ولم تحدد مسبقًا من يمثلها، لكن الساحة مفتوحة للأفكار والأحزاب بتنويعاتها المختلفة، وإذا كنا قد فتحنا صفحة جديدة فى العمل السياسى بعد يونيو، فإن السياسات الأكثر توفيقًا ينبغى أن تتجسد فى كيان حقيقى فى الشارع.
أنت تسمى ذلك «حزب السلطة»؟ أم أنت تريد أن تكون جزءًا من السلطة؟ أم أنك تريد من هؤلاء الذين تسميهم «سلطة» أن يختاروك أنت لتمثلهم وتعبر عن أفكارهم، بدلًا من أن يختاروا «منافسيك» فى البرلمان وفى الشارع السياسى؟
مرة أخرى هذا صراع كارتونى لا يخدم أحدًا على الإطلاق، ومرة أخرى هذا وباء فيروسى يجب القضاء عليه وعلى آثاره فى المهد، والمجتمعات الديمقراطية لا يمكن أن تنبنى بالغيرة والمكايدة السياسية، ولا يمكن أن تضمن الديمقراطية خدمة توصيل السلطة إلى المنازل، كل حزب يستطيع أن يحكم هذا البلد إن كانت لديه الإمكانيات لذلك، أما المعايرات والمكايدات الفارغة فلن تنزع السلطة عن الكيانات الكبيرة، ولن تمنح السلطة للكيانات الكارتونية الصغيرة.
الشعب هو من يمنح السلطة للسياسيين بالعمل الحقيقى بين الناس على الأرض، لكن السلطة لا تمنح نفسها طوعًا لأبطال أفلام الكارتون.
لا تنشروا الوباء من جديد.
مصر من وراء القصد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة