بمجرد إعلان الدكتور طارق شوفى وزير التربية والتعليم عن مشروعه الطموح لتطوير التعليم، فوجئنا بأصوات صاخبة ، ومعارضة شديدة للمشروع برمته ، وانقسم المعارضون على أنفسهم إلى عدة فرق، كل فريق يرفض عنصر من عناصر المشروع ، فهذا يرفض التعريب ، والثانى ، يرفض إلغاء مدارس التجريبية ، وثالث يرى التابلت كارثة وجاسوس على الأطفال ، ورابع يحتج على إلغاء مكاتب التنسيق مستقبلا .
ووسط هذا الصخب ، وقفت صامتا مندهشا ومنزعجا مما أراه ، فالقاصى والدانى يعلم أن منظومة التعليم الحالية، وبال، وتدفع بطلاب نمطيين، يعتمدون على الحفظ وليس الفهم ، لذلك كان من أهم المطالب التى تدور على ألسنة المصريين جميعا، وطوال عقود، هى قضية تطوير التعليم ، وعندما جاء وزير كفء وقرر أن يطور المنظومة التعليمية ، فى محاولة حثيثة للحاق بركب التعليم المتطور، اصطدم بمافيا الدروس الخصوصية ، وجماعات أصحاب المصالح ، من الذين يمتلكون مدارس خاصة ، ويبيعون وهم وسراب التعليم المتطور فى كاسات منمقة للأبرياء ، لتنفيض جيوبهم !!
المصيبة، أن المعترضين على تعريب المناهج، صدعونا طوال العقود الماضية ، من المطالبة بضرورة تعريب المناهج خاصة فى كليات الطب، واستشهدوا بتجارب العديد من الدول العربية التى أقدمت على هذه الخطوة ، وكانوا يؤكدون أن خطوة تعريب المناهج ، ستُحدث طفرة فى الفهم الصحيح للمصطلحات الطبية على سبيل المثال، وعندما قرر وزير التعليم اتخاذ خطوة التعريب، فوجئنا بنفس الوجوه يعارضون، ويعتبرونها خطوة مدمرة!!
وعجبنى رأى للوطنى المحترم الدكتور علاء حمودة ، كتبه على صفحته على فيسبوك، كشف فيه عن تحكم المافيا فى كل مناحى الحياة فى مصر ، ولا يوجد قطاع واحد لا تتحكم فيه مافيا .
نعم ، سيطرت تشكيلات المافيا على كل القطاعات الخدمية فى مصر، بهدف الدفاع عن مصالحها الشخصية المشتركة ، وتهاجم بشراسة كل من يحاول الاقتراب من مصالحها، مستخدمة كل أنواع الأسلحة، القذرة منها والمحرمة ، ولا يعنيهم المصلحة العامة ، بقدر ما يعنيهم فقط مصلحتهم الشخصية ، لذلك فإن مافيا الدروس الخصوصية وأصحاب المدارس الخاصة، التى تتربح من تدريس اللغات، تقف بكل قوة ضد وزير التربية والتعليم، والمصيبة أن أولياء الأمور يصدقون أعضاء هذه المافيا، التى تنفض جيوبهم، وتحول حياتهم إلى جحيم على مدار 16 عاما كاملة، وهى الفترة التى يتلقى فيها الطالب تعليمه من الصف الأول الإبتدائى وحتى تخرجه من الجامعة!!
ومن مافيا الدروس الخصوصية، وأصحاب المدارس الخاصة، إلى مافيا الدواجن، واللحوم، والأسماك، وما أن تلوح فى الأفق أزمة، فى الدواجن على سبيل المثال، حتى تخرج هذه المافيا، لترفع الأسعار بشكل مبالغ فيه، وعندما تتدخل الحكومة، لضبط السوق، باستيراد كميات من الخارج، تخرج المافيا متباكية، وصارخة أن الصناعة الوطنية ستنهار، ويجب المحافظة عليها، وللأسف يتعاطف عددا من المصريين مع هذا الابتزاز الوقح والسمج، والذى يجلد ويحرق بسوط من نار أجساد الغلابة، وتنتصر مافيا الدواجن، وترفع الأسعار، وتزيد من أرصدة حساباتها فى البنوك.
ورأينا جميعا، مافيا ألبان الأطفال، والتى وظفتها جماعات متطرفة لمصلحتها، واتهمت الحكومة بالتقصير الشديد، وعندما تدخلت المؤسسة العسكرية، لحل الأزمة، استعرت المافيا، وروجت لمغالطات، كارثية، مفادها أن مؤسسات الدولة الرسمية تريد الاستحواذ على تجارة وتوريد الألبان، وللأسف انساق ورائها بعض المصريين!!
وعندما تقرر الحكومة، تدشين مشروع القضاء على القمامة فى الشوارع، وتبدأ تدشين شركات رسمية لجمع القمامة، وإعادة تدويرها، وتحقق الحسنيين، نظافة الشوارع فى المدن والمحافظات المختلفة، من ناحية، وإعادة تدويرها للاستفادة المادية، من جهة ثانية، تخرج مافيا "الزبالين" وهددوا الحكومة وتوعدوها بالويل والثبور وعظائم الأمور لو اقتربت من أى كوم زبالة فى أى شارع، وأن عددهم بالآلاف، وأن بيوتهم ستُخرب، وأسرهم ستتشرد فى الشوارع.
وعندما تقرر الحكومة وضع حد لمافيا تجارة العملة، التى عبثت بمقدرات مصر الاقتصادية، وذلك بإغلاق شركات الصرافة التى كانت تديرها جماعات إرهابية، فوجئنا جميعا بحالة من السخط والغضب ضد الدولة، وظهور متعاطفين كالعادة مع هذه المافيا، التى استحدثت استثمار لا مثيل له فى أى دولة من دول العالم، وهو الاستثمار فى العملة، واعتبار قرار إغلاق شركات الصرافة كارثى، ولكن وبمرور الوقت تأكد الجميع أن القرار كان صائبا وحقق المراد منه!!
وعندما تقرر الحكومة إعادة ضبط منظومة رغيف العيش، ووضع حد لعبث أصحاب المخابز بالدقيق، تخرج المافيا، وتتكاتف ضد الدولة، وتحدث أزمة فى العيش، وتجد تعاطف كبير ومذهل من المواطنين، دون فهم حقيقى لطبيعة المشكلة، فتتراجع الحكومة خنوعا وخضوعا لطلب المواطنين، وتنتصر مافيا التجارة السوداء فى الدقيق، ورغيف العيش!!
ناهيك عن مافيا الأدوية، والأراضى، ووصلت ألاعيب المافيا إلى الملاعب الرياضية وفى القلب منها كرة القدم، حيث احتكرت مافيا "الألتراس" اللعبة واعتبرتها "فرخة تبيض لها ذهبا".
وتقفز مافيا احتكار العمل السياسى والنقابى والنشاط الثورى، لتسيطر على الأحداث، وتحتكرها، وأن كل حزب، أو نقابة، ترى فى نفسها دولة فوق الدولة.
ومن خلال هذا السرد المبسط، تكتشف عزيزى القارئ أن عشرات المافيا تتحكم فى كل شئ، وتلقى تعاطفا شعبيا، ثم يسأل المواطنون، لماذا ترتفع الأسعار، وينتشر الفساد، وتتسع معاناتهم، وتتجه أصابع الاتهام فقط للدولة، وهى معادلة سمجة ووقحة، يتم فيها دعم اللصوص، واتهام الدولة!!
ولك الله ثم جيشا قويا وشعبا صبورا يا مصر...!!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة