تنطلق اليوم الثلاثاء بالعاصمة الإماراتية ابوظبى، فعاليات "المؤتمر العالمى للمجتمعات المسلمة: الفرص والتحديات"، تحت رعاية الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح بدولة الإمارات العربية المتحدة، وتستضيف أبوظبى المؤتمرعلى مدار يومين، وذلك بمشاركة دولية وإسلامية واسعة.
الدكتور على النعيمى، رئيس المؤتمر، أوضح ان هناك تقارير صادرة من هيئة الأمم المتحدة إلى أن هناك أكثر من ( 550) مليون مسلم، يعيشون مواطنين فى مجتمعاتهم فى دول ليست أعضاء فى منظمة التعاون الإسلامي، وهم يشكلون ثلث عدد المسلمين فى العالم، ويعيشون فى القارات الست لذلك، فهم يمثلون أقلية عددية بالنسبة لمجتمعاتهم .
وتابع بأن: المسلمون فى مجتمعاتهم وإن كانوا أقلية عددية فلاشك أن لهم خصائصهم الدينية والثقافية وحقوقهم المشروعة حتى مع وجود اختلاف نوعى بينهم وبين باقى المجتمع؛ وللأسف قد أدى هذا الاختلاف إلى تعرضها أحيانًا لتمييز يدفع أفرادها للتضامن فيما بينهم لمواجهة هذه الممارسـات غير الطبيعية، وهو ما يؤدى إلى توتر فى العلاقة بين الأقلية والأغلبية فى المجتمعات التى يعيشون فيها.
وأوضح فى تصريحات له، أن أرضية المؤتمر تنطلق أنه من خلال العقدين السابقين، استشعرت البشرية نُذر أزمات حضارية انبنت على مؤشرات رصد لم تستثن أى مجتمع من المجتمعات، على اختلاف الأديان والمعتقدات والإثنيات والعرقيات، وهى نذر توحى بصراعات مدمرة لن يكون أى دين وأى مجتمع بمعزل عن تداعياتها السياسية والاقتصادية، لكن الأخطر من ذلك كله الصراعات التى منشأها الخصومات الموهومة بين الأديان خاصة فى أماكن التعايش الإنسانى داخل الدولة الواحدة التى تحتض تعددا عرقياً وثقافياً. لكن مع ذلك كان يحذوها أمل الانخراط فى عولمة جامعة تقوم على أساس التعدد والتنوع الثقافيين، عولمة تنصهر فى بوتقتها الأعراق والديانات والمواريث الإنسانية انصهارا تتعزز معه فرص التعايش والتعارف والتعاون، وتحفظ حق الاختلاف والحوار بعيدا عن منطق صراع الحضارات الذى يستحث الهويات على الانكماش والنكوص نحو مواقع الدفاع عن الذات لمواجهة غزو الآخرين.
وأضاف أنه مع هذا التوجه الجديد فى مظاهره وتمظهراته طفت على السطح قضية المجتمعات ذات الأقلية العددية فى دولها والهوية الدينية الواحدة وعلاقتها مع المجتمعات الأخرى الأكثر عددا والتى يعتبرها البعض أنها المكون الأصيل لهوية لهذه المجتمعات، مما أرغمها على أن تجد نفسها وبنسب متفاوتة تحت تأثير ضغط هذه الظاهرة، لكن الذى يتحمل العبء فى الوقت الراهن الناتج عن التراجع عن اختيار التعدد الثقافى والعيش فى كنفه هى المجتمعات المسلمة ذات الأقلية العددية والتى تحتضنها المجتمعات العالمية عامة والغربية على وجه الخصوص حيث تشكل هذه المجتمعات تكتلات مجتمعية ودينية وثقافية وعرقية أحيانا باتت محل إستهداف للآخرين.
وتابع: لا يمكن إنكار أن المجتمعات المسلمة فى السياق العالمى عموما، مثلها مثل المجتمعات الأخرى، تتمتع بحقوق لا حصر لها، وتستظل بظل منظومة قانونية تكفل لها العيش فى أمن وكرامة. لكن توتر الأوضاع فى العالم، جراء موجات الهجرة المتدفقة والأحداث الإرهابية الأليمة وصعود الأحزاب الشعبوية المتمثلة فى اليمين المتطرف على وجه الخصوص، أصبح ينذر بمستقبل قاتم، وهو وضع استغلت فيه هذه التيارات مجموعة من الأسباب التى أصبحت تغذى الخطاب المعادى للحضور الإسلامى فى الدول غير الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامى بمسوغات ومبررات للتهجم على المجتمعات المسلمة والمطالبة باندماجها اندماجا تضيع معه خصوصياتها الدينية والثقافية، مما خلق تحديات أمام هذه المجتمعات لابد من العمل على معالجتها ضمن الأصول والمواثيق والعهود والقوانين الدولية.
وفضلا عن تحدى الخطابات المعادية للحضور الإسلامى فى السياق الغربى على الخصوص، هناك تحدِّ مرتبط بالخطاب الدينى الإسلامي، الذى إما أنه مختطف من طرف جماعات الإسلام السياسى التى يعمل خطابهم على التأصيل لمفاهيم (التمكين)، و(الأسلمة ) أو (العزلة الشعورية )، وإما أنه يقدس تفسيرات وتأويلات للنصوص والمفاهيم الدينية التى لم تعد تنسجم فى نظريتها ونظمها مع الزمان والمكان والإنسان، والنتيجة هنا أن هذا الخطاب فشل فى تأطير ومرافقة الوجود الإسلامى فى الغرب تأطيرا ومرافقة تمكنانه من التوفيق بين مقتضيات الانتساب إلى الدين الإسلامى ومقتضيات الانتماء إلى المجتمعات التى تحتضنه فى ظل المواطنة كما تقررت مدلولاتها ومعانيها فى البيئة العلمانية الغربية.
واستطرد ؛غير أنه وإن كان وضع المجتمعات المسلمة فى السياق الغربي، وإن بلغ درجة مقلقة تستدعى وقفة تأمل مسؤولة، فهو ليس أسوأ من وضع المجتمعات المسلمة ذات الأقلية العددية أيضا فى سياقات أخرى، مثل السياق الآسيوى أو الإفريقي، حيث يتوارى التعدد الثقافى أمام عقائد شمولية لا تقيم لحقوقهم وزنا.
ولا شك أن ما تشهده أوروبا وأمريكا اليوم من نزوع متزايد من بعض التيارات والأحزاب نحو التضييق على المجتمعات المسلمة سيسهم بشكل أو بآخر فى التأثير على تحديد العلاقة بين المجتمعات المسلمة فى سياقات أخرى وبين الأغلبيات المكونة للمجتمعات التى تحتضنها، فلا أقل من أن تجد القوى المتطرفة المعادية للإسلام والمسلمين، فى إفريقيا وآسيا مثلا، أن تجد فى موقف القوى المتطرفة المعادية للإسلام فى السياق الغربي، ما يجعلها تتمادى فى طلب تخليص المجتمع من المجتمعات المسلمة.
وعليه، فقد أصبح من الضرورى الالتفات إلى قضية المجتمعات متعددة الثقافات عموما والمجتمعات المسلمة خصوصا، ثم العناية بالتفكير فى مستقبلها على ضوء التغيرات المستجدة التى تسهم فى تحديد ملامح النظام العالمى الجديد الذى هو قيد التشكل فى إطار ما بات يعرف بعالم ما بعد العولمة.
وأشار إلى أنه وحرصا من رسالة دولة الإمارات العربية المتحدة الحضارية فى نشر ثقافة السلم والتسامح بين أتباع الأديان و الثقافات فى كل أماكن تواجدهم، وإسهاما منها فى تحصين أبناء المجتمعات المسلمة من تيارات العنف و التطرف، ودفاعا عن حقوق هذه المجتمعات الدينية و الثقافية وفق المواثيق و المعاهدات الدولية، وتحت رعاية الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح يُعقد المؤتمر العالمى للمجتمعات المسلمة تحت عنوان: "مستقبل الوجود الإسلامى فى المجتمعات غير المسلمة: الفرص والتحديات" بأبوظبى يومى 8-9 مايو2018.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة