كان من السهل على علاء الأسوانى أن يواصل صراخه وعويله المعتاد، فى مجموعة مقالات جديدة يكتب فيها ما يريده عن ثورة يناير، وما يراه فى ثوارها وأطرافها، فهذا ما تعودنا عليه منه طوال السنوات الماضية.
كلما انطفأ عنه النور، ارتفع صوته وعلا ضجيجه، لكن يبدو أن هذه المرة كانت التأوهات أكثر وجعًا، والخوف من العزلة والبعد عن الأضواء أكثر ضغطًا على مشاعر الرجل المتواضع الموهبة، الذى كان يرى نفسه السياسى الأهم، والروائى الأعظم، والمفكر الأفضل لثورة يناير وثوارها، ثم اكتشف بعد شهور أن تأثيره لم يتخطّ سطور روايته الأولى، التى سرقها من أوراق والده الراحل فى 2006 «عمارة يعقوبيان»، فقرر أن يعيد طرح نفسه من جديد بالخلطة «اللاأدبية» نفسها، التى أتقنها واعتادها وعوّد عليها قراءه، ولكن هذه المرة متعكزًا على مصدر كهنوته الجديد «ثورة يناير»، ومن خلال رواية «جمهورية كأن» التى كان من الأفضل لها أن يكتب الأسوانى على غلافها «كأنها رواية».
«من كتر ما هىّ مكررة محدش هيتوقعها».. تلك الجملة التى استخدمها أبطال فيلم «حزلقوم» عن حبكة الفيلم، هى الأكثر دقة فى وصف ما فعله علاء الأسوانى فى نفسه كمشروع أديب، لم يتحرك نجاحه من محطة روايته الأشهر «عمارة يعقوبيان»، ورغم أن إفرازاته الأدبية أنتجت بعدها «شيكاجو» و«نادى السيارات»، فإن تكرار استخدامه لنفس الأنماط والتكوينات الدرامية فى نفس قوالب الأشخاص كان مفاجئًا فى «جمهورية كأن»، الرجل الثرى الفاسد، والفتاة المشتهاة، والشاب المتطرف، والضابط الذى يعذب ضحاياه، وتحركهم جميعًا دوافع جنسية ورغبات شهوانية، يرصدها الأسوانى فى روايته بصخب وعشوائية و«زعيق» لا يخرج إلا عن خيال مراهق يعانى من الكبت، أو يبحث عن «تسليع» كتاباته وأدبه فى سوق القراء المراهقين.
فى «جمهورية كأن» يمكنك بكل بساطة أن تنتزع أى شخصية من شخصيات الرواية، وتضع مكانها معادلها الدرامى من رواية «يعقوبيان» أو ما تلاها، لن تجد أى خلل فيما كتبه الأسوانى إن استبدلت الأسماء أو الأشخاص، فهو لم يرهق خياله فى تحليل عميق أو تشريح دقيق للثورة وشخوصها وأحداثها، نظر كما ينظر أى مواطن، وتابع كما يتابع أى محلل، فكتب كما يكتب أى قلم، فقط اعتمد على خلطته اليعقوبيانية «الجنس، مزيد من الجنس، ثم كثير من الجنس».
لم يستطع علاء الأسوانى فى روايته أن يخفى ميوله، أو أن حتى يواريها بشىء من الأدب، فجاءت محاولات إنقاذه لحلفائه فى ميدان الثورة فجة كألفاظه الجنسية المستخدمة، حوّل روايته إلى مساحة مباعة لتنظيم الإخوان، سعى من خلالها إلى تبرئتهم من تهمة اقتحام السجون، ونسج حوارات مشوهة ومشبوهة بين ضباط أثناء ثورة يناير، حاول من خلالها تبرئة التنظيم من تهمة فتح السجون أثناء الثورة، وكأنه يقدم لهم الشكر ويرد لهم الجميل على الدعم الذى قدموه له خلال تلك الفترة.
إنقاذ الحلفاء لم يقف عند حدود الإخوان، بل إن الأسوانى سخّر روايته لتشويه كل شىء وأى شىء فى مقابل الانتصار لنفسه، نفسه التى أخفاها عن الرواية، فرغم أنه قدّم عرضًا سطحيًا لكل شخصيات الثورة، فإنه نسى نفسه، لم يمنح القراء فرصة أنه يروه وهو يتحدث عن نفسه، فلماذا لم يضع الروائى نفسه ضمن سياقات وأحداث هو يرى أنه كان جزءًا مهمًا فيها؟، ورغم ذلك استبعد تجسيد نفسه، واكتفى ببث أفكاره بين السطور، ومن خلال الشخوص.
مهما كان خيالك قادرًا على توقع الأسوأ، فلن يرحمك ذلك من أن تصدم بالتقيؤ الأدبى الذى كتبه الأسوانى فى سطور روايته، فيبدو أن الرجل الذى قال إن ما جاء فى «عمارة يعقوبيان» كان لحظة أدبية استوجبتها الدراما، يؤمن بأن الحياة كلها نفس اللحظة وبنفس الدراما، الجنس ثم مزيد من الجنس، وكأنها خلطته الوحيدة للإبهار، ورهانه الأوحد لإيجاد سعر لأعماله فى سوق المراهقين، أو سوق الغرب التى تفضل من كتّاب الشرق المتمردين، المتحدثين عن الجنس، الكاتبين عن أدق تفاصيله بأقذر ألفاظه، هكذا حول الأسوانى نفسه فى روايته «جمهورية كأن» من أديب ينقل المشاعر والأفكار إلى ناقل للبذاءة كما هى، لم يجد فى نفسه فرقًا بين ما يقوله أى مواطن فى الشارع، وما يجب أن يقوله هو كأديب، أو يرى نفسه أديبًا.
«لغة الكاتب كانت سيئة للغاية، شعرت أنى أقرأ لكاتب مراهق، ما زال يحاول أن يشق طريقه فى عالم الكتابة، المبالغة فى الحديث عن الجنس»، بماذا سيشعر الأسوانى إذا قرأ هذا الرأى ومثله الآلاف، خاصة أنها آراء قرائه ودراويشه؟، هل دخل الأسوانى على موقع «جود ريدز» ليدرك أنه تحول إلى سلعة جنسية، وأن روايته تأفف منها المراهقون قبل الكبار.
وهذا رأى آخر للقارئ إسلام محمد، يكشف إلى أى مدى كشف الأسوانى نفسه أمام قرائه، وفضح خواءه الأدبى والفكرى بتكرار شخصياته: «الثنائية البالية، الطالب الفقير الألمعى الطموح، وابنة رجل الأمن تحديدًا، الثرية الطيبة الساذجة التى لا تدرى من أمر دنياها شيئًا، والمناضل القديم الذى ألقى سلاحه وارتمى فى أحضان السلطة، والمناضل الجديد الذى يعيد الكرّة من بدايتها ولكن هذه المرة دون أن يعد بتكرار مصير المناضل القديم أو هكذا يبدو، ولا بد من علاقة عاطفية بين الشاب الثورى وبنت من بنات الثورة، هذه العلاقة لها رمزيتها للإيحاء بالحب الوليد الذى سيقهر كل المظالم الذى يتعرض/ تتعرض لها، كل فى حيز حياته الخاصة ومن ثم الحياة العامة».
«لم يكن بالعمق الذى توقعته، والإسهاب فى الحديث عن الجنس أفسد الرواية»، هذا ما رآه محمد عاطف، أحد متابعى وقراء الأسوانى على موقع «جود ريدز»، ورغم أن عاطف مازال قبل العشرين، فإنه لم يسلم أفكاره وخياله الصغير إلى مراهقة الأسوانى العجوز.
أما أحمد مغازى فعلق للأسوانى قائلًا: «لا ميزة فيها إلا جرأتها، أما العيوب فحدث ولا حرج: سطحية، مباشرة، ركاكة، اختزال، رؤية مشوشة وقاصرة، معايير مختلة، إغفال لكل أخطاء الثورة والثوار».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة