دخل عالم الإنشاد الدينى فى سن كبيرة، إلا أنه استطاع أن يؤسس لنفسه مدرسة خاصة، ولونًا جديدًا تميز به عن غيره من المنشدين، فنشأته وتربيته على جلسات الذكر والمديح فى بلدته بصعيد مصر، إضافة إلى دراسته للغة العربية وحصوله على الدكتوراةه فى النقد الفنى، وتحديدًا فى المولوية، أهلته لذلك، إنه المنشد عامر التونى.
بدأ عامر التونى حياته مدرسًا للغة العربية، ولم يمكث فى هذه المهنة كثيرًا، حيث لم يجد ذاته كمدرس، حسبما يقول، فقرر الهجرة خارج مصر وتحديدًا إلى اليونان، وعمل هناك مدققًا لغويًا فى عدد من الصحف، إلى أن قرر مجددًا العودة مرة أخرى إلى مصر ليقوم بإحياء فن المولوية الصوفية مرة أخرى.
فى إحدى أكبر قلاع الثقافة والموسيقى فى مصر، دار الأوبرا، التقينا المنشد عامر التونى ضمن سلسلة حوارات «المداحون»، وكان هذا الحوار..
دخلت عالم الإنشاد الدينى فى سن كبيرة.. فكيف حدث ذلك؟
- أنا نشأت فى قرية الروضة بمركز ملوى فى المنيا، وكانت كل الأشكال الاحتفالية فى القرية صوفية، فكانت كل احتفالات الأهالى بحلقات الذكر والمرغنية والبردة والقرآن الكريم، فتأثرت بذلك كثيرًا، وتعلمت الناى والكولة، كما أننى تخرجت فى كلية التربية، قسم اللغة العربية، وهو ما أفادنى كثيرًا بعد ذلك، لكن حتى تخرجى لم أكن قد اتجهت للإنشاد، فقد عملت مدرسًا فى إحدى محافظات مصر، ثم انتقلت لمدرسة فى القاهرة، ولم أجد نفسى فى التدريس فاستقلت من وزارة التربية والتعليم وسافرت إلى اليونان، وعملت هناك فى عدة مهن، ومنها مدقق لغوى فى عدد من الصحف التى تصدر هناك، ثم عدت مرة أخرى إلى القاهرة وأنشأت شركة إنتاج مسرحى وفشلت، وبدأت أفكر فى عمل مختلف به إبداع فكونت فرقة للإنشاد الدينى عام 1994.
وهل ترى أن الفرقة نجحت بسهولة؟
- فى الحقيقة الظروف فى هذه الفترة كانت صعبة جدًا، بسب عدم وجود مسارح كافية فى مصر، وحتى الآن هذه المشكلة موجودة، وهذا اكتشفته حينما سافرت للخارج ورأيت كم المسارح، لكن بدأت تنتشر فى مصر النوادى الثقافية، والمراكز الثقافية الأجنبية بدأت تفتح أبوابها لحفلات الإنشاد، ووجدت أننى كى أنجح يجب أن أقدم لونًا جديدًا لأننا قليلًا ما نجد منشدًا متميزًا، فمعظمهم مقلدون، وبالفعل نجحت فى أن أُخرج الإنشاد من جو الساحات والموالد إلى جو المسرح، لأجذب الجمهور الذى لا يذهب للموالد أو الساحات الشعبية، ولم يكن هناك أحد ينافسى فى ذلك وقتها.
تسافرون إلى الكثير من الدول.. حدثنا عن جمهور الإنشاد الدينى فى الخارج؟
- بدأنا نسافر الهند والمغرب، وعدد الحفلات التى نقيمها سنويًا فى الهند أكثر من مصر، لأن الهنود يعشقون هذا الفن، والجمهور هناك يصل إلى 40 ألف مستمع ومن ديانات مختلفة، كما أننا نُحيى سنويًا حفل ختام المهرجان الدولى للسينما الهندية، ونشارك فى مهرجانات موسيقية كبيرة فى بنجلاديش والصين وروسيا ولندن وألمانيا وفرنسا وتونس والجزائر، ومهرجان الموسيقى الصوفية فى المغرب، وغيرها من الدول.
بمناسبة الديانات المختلفة.. فى وجهة نظرك لماذا يقبل غير المسلمين على حفلات الإنشاد الدينى؟
- نحن لا نعرض دينًا، نحن نعرض حبًا، ونحاول أمام الجمهور أن نعرض له فرحتنا من خلال الحب، لأن الرسالة ليست موجهة له ولكن موجهة لأعلى، ودائمًا ما أقول للجمهور «نحن لم نأت لأجلكم ولا نغنى لكم، نحن نغنى له وأنتم تأتون له»، لذلك يقبل علينا المسلمون وغير المسلمين، بل العرب والأجانب، فالموسيقى الروحية عمل مختلف، فنحن لا نغنى للجمال، بل نغنى لرب الجمال، لذلك فالمستمع حينما يدرك ذلك بالموسيقى فهو يتفاعل معنا ويشعر بما نقدم، حتى ولو لم يفهم لغتنا، وهذا سر نجاح حفلاتنا فى الدول الأوروبية.
تقول «نغنى».. البعض يحرم الغناء ويحرم الإنشاد بالموسيقى.. كيف ترد عليهم؟
- نعم «بنغنى»، وأرد عليهم بأنه لا يوجد نص صريح على تحريم الغناء أو الموسيقى، واجتمعت الآراء على أن حلالها حلال وحرامها حرام، والإنشاد الدينى هو سماع للأرواح، ومن يحرمه فكره منغلق وغير منفتح على الفكر الإسلامى بالكامل، ثم إننا لا نقول كلامًا أو قصائد تحرك الغرائز أو ما إلى ذلك، إنها قصائد حب فى الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، والصحابة وآل البيت، رضوان الله عليهم.
أتصور أن هناك سرًا وراء صعودك على المسارح حافى القدمين؟
- كما ترى نحن نرتدى الملابس البيضاء فى إشارة رمزية إلى الكفن لنصفى أرواحنا لله فقط، وربما يطال الحذاء ما يدنسه، فلا يصح أن أرتدى حذاء، وأن أنشد فى حب الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم.
هل يجب أن يكون المنشد صوفيًا؟
- طبعًا، لأنه إن لم يلمس الحب القلب، سيصبح المنشد ممثلًا، والبعض يأخذ الإنشاد كلقمة عيش فقط، ولكنه محبة فقط، ونحن الآن نجد شيوخًا على المسرح فقط، وخارجه الله أعلم بهم.. التصوف صفاء القلب، وأن تطرد الأغيار من القلب فيحل نور الله، لذلك أنا أرى أنه كى ينجح المنشد يجب أن يكون متصوفًا.
بمن تأثرت وعلى يد من تعلمت فن الإنشاد الدينى؟
- لم أتأثر بأى أحد ولم أتعلم على يد أحد، فأنا أردت ومازلت أحاول عمل شىء مختلف تمامًا عن أى منشد، كما أننى لا أحب التقليد، وأدعو أى منشد يحب أن ينجح فى هذا المجال أن يبتعد عن التقليد تمامًا، وأن يكون لنفسه مدرسته الخاصة، إضافة إلى التثقيف اللغوى والموسيقى.
كيف تنتقى كلمات أناشيدك؟
- أختارها من أشعار أعلام الصوفية، مثل رابعة العدوية وابن الفارض وابن عربى والحلاج وأبى مدين الغوث، وغيرهم.
كيف ترى الإنشاد الدينى فى مصر الآن؟
- أتمنى من الدولة إنشاء معهد للإنشاد، أو قسم له فى معهد الموسيقى العربية، لتخريج جيل جديد من المنشدين، قائم على أسس علمية، يستطيع أن ينهض بالإنشاد فى مصر والوطن العربى، ونحن الآن نرى إقبالًا من الجمهور نوعًا ما مقارنة بالماضى على حفلات الإنشاد الدينى، فهذا ربما يكون دافعًا أكثر للدولة والإعلام فى سبيل الاهتمام بهذا الفن الراقى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة