رغم أن القرية التى أنتمى إليها فى الصعيد صغيرة الحجم، ويمكن لعين طفل أن تحتويها بنظرة واحدة، فإنها تحتوى على أكبر قدر من المتعلمين فى القرى المحيطة بها، وذلك بفضل بعض أبنائها وعلى رأسهم الأستاذ عبدالله شاكر.
لو اعتبرنا أن هذه القرية دولة مستقلة، فإن عبدالله شاكر ينتمى إلى جيل المؤسسين، وأقصد بهم المؤسسين ثقافيا وتعليميا، هؤلاء الذين أخذوا على عاتقهم فكرة تعليم الأجيال المقبلة والخروج بهم من ظلمات الجهل إلى نور المعرفة، ومن تردى الحال إلى مستقبل أفضل.
لا يمكن تخيل الحياة دون عبدالله شاكر، فهو واحد من أشهر المعلمين فى المدارس الابتدائية فى الناحية كلها، امتلك منذ بداية مشواره شخصية خاصة ومبادئ معينة، تقوم على فكرة أن النظام والانضباط هما ما يصنعان المجتهدين ويحققان الأحلام، وأول هذا الانضباط هو احترام شخصية المعلم، لذا كان اسم عبدالله شاكر وحده كافيا لجعل المدرسة جميعها على قلب رجل واحد.
كانت شخصيته تتجاوز أسوار المدرسة، ففى الدروب الضيقة وعلى ضفاف النيل وفى الحقول، يكفى أن تلمحه مارا على الجسر حتى تستقيم فى مشيتك وتتوقف عن الثرثرة واللعب، وربما تتظاهر بأنك تقرأ فى كتاب، وتتمنى ألا ينتبه إليك أصلا، لذا بعد سنوات طويلة عندما سمعت «ضحكته» العالية ورأيت «تبسطه» معنا بعدما كبرنا، فهمته جيدا، وعرفت هدفه وآمنت بجوهر طريقته فى التربية.
كان عبدالله شاكر يسعى لبناء إنسان قوى، قادر على مواجهة الحياة وصعابها وتغيراتها، ويعرف أن ذلك يبدأ منذ سنوات الطفولة المبكرة، كان يملك حلما كبيرا لكل الذين لبسوا «مريلة» وحملوا حقيبة كتبهم على ظهورهم، وساروا على الطريق الطويل إلى المدرسة البعيدة.
نعم، كانت المدرسة بعيدة، فالقرية صغيرة الحجم التى تحتوى كل هؤلاء المتعلمين، ليس لديها «مدرسة واحدة»، وكان أبناؤها يذهبون إلى القرى الأخرى يتعلمون هناك، وكان هذا الأمر يؤرق عبدالله شاكر جدا، لذا صار فى السنوات الأخيرة مشغولا بالسعى لـبناء مدرسة تخص القرية، ورغم أنه كان يقترب من سنوات الخروج على المعاش فإنه سعى من أجل تحقيق الحلم وحاول سنوات طويلة إلى أن تحقق.
وبفضله لم يعد الأطفال الصغار فى حاجة للسير مسافات طويلة فى الشتاء الصعب، فكل ما عليهم الآن أن يعبروا الكوبرى ليدخلوا فى رحاب «مدرسة النيل الخالد الابتدائية المشتركة» شاكرين للمؤسس الحقيقى سنوات البناء التى قضاها يقود هذه المدرسة ويصنع أجيالا جديدة منضبطة وقادرة على الحلم.