أكرم القصاص

فاسدون أغنياء ومرتشون يردعهم سقوط زملائهم

الخميس، 14 يونيو 2018 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم يعد يمر يوم إلا وتعلن الرقابة الإدارية عن ضبط مسؤولين مرتشين أو فاسدين، والحقيقة أن قضايا الرقابة الإدارية متنوعة تمتد من شرق مصر لغربها ومن شمالها لجنوبها، وتتنوع القضايا بين سرقة ورشوة وتزوير واستغلال نفوذ وانتحال صفة، وتلاعب فى أوراق أراضى دولة أو تزوير شهادات تصدير صفقة ملابس، ومدير إدارة اجتماعية اختلس مليون جنيه من حسابات «تكافل وكرامة»، أو سرقة أموال التموين بعشرات الملايين، وهى قضايا متنوعة تمتد إلى كل الجهات والمصالح، وتكشف عن اتساع لعمليات الرشوة بشكل قد يبدو أكبر مما سبق، خاصة أنه يتم نشر تفاصيل القضايا بالصورة والصوت.
 
مع هذا العدد الكبير من الفاسدين والمرتشين الذين يتساقطون، ثم إن الرقابة الإدارية تصور عمليات الفساد والضبط بالصورة والصوت، الأمر الذى يمنع التشكيك فى الأدلة، ويكون النشر مصحوبا بالصور والفيديوهات، وهذا يمثل فى حد ذاته تجريسا للفاسد والمرتشى، ومع كل هذا فإن الفساد يستمر وتتكرر عمليات سقوط المزيد من المرتشين الكبار والمتوسطين، بما يعنى أن النشر والتصوير لا يمثل ردعا ولا تخويفا للفاسد المحتمل.
 
بعض قضايا الفساد والرشوة التى يتم ضبطها تشير إلى أن المسؤول من معتادى الرشوة ومدمنى الفساد. وأن العملية المضبوطة ربما لا تكون الأولى ولا الأخيرة، لكنها جزء من اعتياد على الفساد، و أبرز مثال جديد قضية وزارة التموين، حيث رئيس شركة قابضة ومعاونوه تم ضبطهم برشوة مليونى جنيه فى صفقة توريد واحدة، والشركة القابضة تعقد مئات الصفقات بما يعنى أننا أمام فساد ماض مستمر ومركب ومتشعب فى إدارة واحدة، وحتى الفاسدون يتعاملون كعصابة يوزعون الأموال الفاسدة ويقتسمون الخطط والصفقات. 
 
وطبعا رئيس الشركة القابضة فى التموين، قد يكون حصل على عشرات الملايين بالرشاوى، وحتى لا يستفيد الفاسد من فساده يفترض تتبع هذه الأموال لديه وغيره من شركائه.
 
 وهذه القضايا لمسؤولين كبار مرتشين تكشف عن الاعتياد، من مسؤول يكون ثروة، ويحصل على راتب كبير، ومع هذا يمارس الرشوة، وهنا بالفعل تنقطع العلاقة بين الفساد والفقر، وأغلب، إن لم يكن كل، قضايا الرشوة والفساد المضبوطة مؤخرا تمت مع فاسدين كبار من أصحاب الرواتب الضخمة، وهو وغيره يواصلون الارتشاء بالرغم من أنهم كونوا ثروات كبيرة، أى أنهم لا يرتشون للحاجة، لكنهم يعيشون على الرشوة والفساد الذى يجعل المال سهلا فى أيديهم. 
 
وهذا لا يعنى أنه لا يوجد مرتشون صغار أو أن هناك تبريرا للفساد والرشوة للصغار، لأن صغار المرتشين وكبارهم واحد، ومكان مثل المحليات معروف أنه يعيش على الرشوة والفساد تقريبًا، لا يوجد مكان فى المحليات والإدارات الهندسية يخلو من نسبة معتبرة من الفاسدين يفتحون جيوبهم وأدراجهم، ولا يبدو أنهم يشعرون بأى نوع من الردع أو الخوف.
 
ولاتزال هذه الأماكن بالفعل فى المحليات بعيدة عن أعين الجهات الرقابية وربما تحتاج إلى تكتيكات واستراتيجيات جديدة يمكنها مواجهة الفساد المزمن فى الإدارات الهندسية والأحياء والمدن، وهو السبب الأساسى لكل المخالفات والعشوائيات والبناء على أراضى الدولة والأرض الزراعية. 
 
الفساد يحتاج إلى دراسات وتفسيرات نفسية واجتماعية للفاسدين، وكيف تتكرر الرشاوى بأشكال وأنواع مختلفة بما يشير إلى وجود نوع من الإصرار لدى الفاسدين، وما هو المسؤول القابل للفساد أكثر من غيره، وأين يمكن التعرف على الثغرات التى ينفذ منها الفساد، ومن الواضح أن النظام الإدارى لدينا يسمح بالفساد، لأنه لايزال يجعل الاعتماد على العنصر البشرى، ويسمح بتكرار الفساد والرشوة، وهو أمر يكشف أن العيب، ربما لا يكون فى الفاسدين وحدهم والقابلين للفساد، لكن فى النظام الذى يسمح بهذه الكمية من الفساد، ومنها الانخفاض الشديد فى الدخول بشكل يجعل الرشوة أحيانا أمرا واقعا لا يحتمل النقاش بالنسبة لمن هم قابلون للفساد.
 
وفى بعض الأحيان يكاد الفساد يدخل فى سياق الضرورة، المواطن العادى الذى يعمل بجد واجتهاد بين عملين وثلاثة يظل عند حدود الدخل المحدود، بينما الثراء يكون من نصيب السماسرة والمرتشين والفاسدين. وحتى هذا الأمر يظهر فى الدراما والمسلسلات المستمرة التى ترى مصر مقسومة إلى سكان الكومباوندات وسكان العشوائيات أو المناطق المتوسطة الفقيرة، والأغنياء فقط فى الكومباوندات، ولا يحق للمواطن المتوسط أن يحلم بالانتقال إلى مناطق سكن الأثرياء ما لم يكن من السماسرة والمغامرين والغامضين.
 
المسألة بالفعل تحتاج إلى دراسة حقيقية، ومع الاعتراف بالجهد الكبير الذى تبذله الرقابة الإدارية، فإن حجم قضايا الفساد والرشوة التى يتم ضبطها يفوق أى عقل أو منطق، ويشير إلى مرض معد ينتشر فى المجتمع من أعلى لأسفل، وإن عمليات الضبط والمحاكمات لا تمثل عناصر ردع تمنع الفساد وتحد منه، وهو ما ينقلنا إلى النقطة المركزية وهى أهمية وضرورة تغيير النظام الإدارى القائم فى مصر، بشكل ينهى الفساد، لأنه إذا كانت هناك عمليات مراقبة ومتابعة وتصوير فنحن بحاجة إلى كاميرا لكل موظف.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة