الهدوء كان سائداً فى ذلك الوقت من خريف عام 2006 داخل محطة مترو أنفاق شبرا الخيمة، القطارات تسير بشكل طبيعى، والركاب يتوافدون على المحطة قاصدين وجهاتهم المختلفة، بينما العمال يؤدون دورهم بكل نشاط وهمة، إلى أن تغيرت الأوضاع فجأة، وحدث ما لم يكن متوقعاً، فى ذلك الوقت من شهر نوفمبر وتحديداً يوم الاثنين الذى وافق 27 من الشهر، عثر أحد العمال على جثة طفل داخل سرداب أسفل المحطة، وكان ذلك الخيط الأول الذى سيكشف عن واحدة من أكبر قضايا القتل المتسلسل فى تاريخ مصر الحديث.
كانت الجثة عبارة عن هيكل عظمى، لطفل يدعى "محمد كمال"، وفى ذات الوقت تقريباً عثرت أجهزة الأمن بالإسكندرية على جثة طفل آخر يدعى "إبراهيم سالم" 14 عاماً، على شريط السكة الحديد بالإسكندرية، وفى طنطا عٌثر على جثة طفل يدعى "أحمد ناجى" القى من فوق صهاريج السولار بمحطة سكة حديد طنطا، مثلت تلك الحوادث الثلاثة مثلثاً جغرافيا لعصابة انتهج افرادها خطف الأطفال، وقتلهم بطريقة بشعة، بمحطات القطارات والسكة الحديدية، وكان على الأمن الكشف عن عناصرها والقبض عليهم.
لم تهدأ أجهزة الأمن، وواصلت العمل ليلاً ونهاراً؛ من أجل فك أوصال تلك القضية التى بدأت غامضة؛ حتى توصلت إلى معلومات قادتهم إلى أحد المتهمين المتورطين فى تلك الجرائم ويدعى "أحمد سمير" 18 عامً والشهير بـ"بقو"، وبعد استجوابه اعترف أنه أحد عناصر عصابة تخصصت فى خطف أطفال الشوارع وقتلهم بعد الاعتداء عليهم جنسياً، وتوالت الاعترافات التى كشف خلالها عن المتهم الرئيسى وزعيم العصابة الشهير بـ"التوربينى".
طريقة المتهمين فى تنفيذ جرائمهم كانت بشعة بحق، حيث استدرجوا الضحايا بحجة التسول فى القطارات، واصطحبوهم إلى أعلى القطار واعتدوا عليهم جنسياً، ثم قاموا بقتلهم بإلقائهم من فوق القطارات، وكان المتهم الرئيسى فى القضية، يقوم بتكتيف الضحايا بملابسهم الداخلية فوق القطار الذى يدعى "التوربينى” والذى اختاره تحديداً لوجود مكان منخفض أعلاه يساعده فى الاعتداء الجنسى على ضحاياه، ثم يلقيهم من أعلى القطار على شريط السكة الحديد.
إزاء تلك الاعترافات والجرائم البشعة التى ارتكبها المتهمين، القت أجهزة الأمن القبض على باقى أفراد العصابة وهم "محمد عبد العزيز" الشهير بـ"السويسى" و"رمضان عبد الرحيم" 26 عاماً الشهير بـ"التوربينى”، و"فرج محمد" الشهير بـ"حباطة"، و"حمادة معروف" الشهير بـ"بزازاة" وحمدى مناطق وأخيراً مؤمن الجزار، وبمواجهتهم اعترفوا بجرائمهم، وخلال التحقيقات تبين انهم ارتكبوا ما لا يقل عن 32 جريمة، وبرر زعيم العصابة فى اعترافاته فعلته بأن "اغتصاب الأطفال وقتلهم متعة".
لم تسلم جثث ضحايا المتهمين منهم أحياء أو أموات، وكان مصيرها الإلقاء من فوق القطارات على قضبان السكة الحديد، لتدهسها القطارات فى الاتجاهين، أو التخلص منها فى البالوعات، وبعض الضحايا دفنوا أحياء، والغريب فى القضية أن المتهم "حمادة معروف" الشهير بـ"بزازة" رأى انه أحق بالاهتمام الذى حظى به "التوربينى” بعد القبض عليه باعتباره زعيم العصابة، وأدعى أنه الزعيم الحقيق لها وليس "التوربينى”.
تداولت قضية "التوربينى" قضائياً إلى أن أصدرت محكمة جنايات طنطا حكمها بإعدام التوربينى ومساعده "حباطة" اثنين من المتهمين، بعد إدانتهما بالقتل وهتك العرض كما قضت بمعاقبة باقى المتهمين بالسجن المشدد 15 عاما، وأيدت محكمة النقض الأحكام الصادرة فى 26 يناير عام 2009، وتم تنفيذ حكم الإعدام فيهم فى 16 ديسمبر 2010، لتسطر نهاية تلك العصابة التى حصدت أرواح ما يقرب من 32 طفلاً.