وائل السمرى

الباقورى

السبت، 16 يونيو 2018 12:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم يكن دين الله لينفصل عن الحياة ويعاديها، بل إن رسالته الأساسية هى أن يتفاعل مع العصور المختلفة مدعما للتطور ونابذا للتدهور، يحافظ على الأخلاق العامة، ويدعم قيم العمل والعدل والرحمة والرقى والتسامى والتقدم، ميسرا على الناس غير معسر، وهذه هى حكم رسول الله الذى قال بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا، وروى عنه أنه لم يكن يخير بين أمرين إلا واختار أيسرهما ما لم يكن إثما، وهذا ما وعاه الشيخ أحمد حسن الباقورى وزير الأوقاف الأسبق، أحد أكبر شيوخ عصره وأشهرهم.
 
ولد الشيخ  أحمد حسن الباقورى فى العام 1907، وكان من الأزهريين النابهين، وتربى فى أحضان المدرسة المصرية فى الفقه والعلم والحديث، وهى المدرسة التى انفتحت على جميع المذاهب الإسلامية فأخذت منها ما استقام من أحكام وما ثبت لعلمائها أنه الحق، غير مجافية لتعاليم الدين الحنيف ولا معادية لتطورات العصر ومنجزاته، ولعل أكثر ما ميز الإمام الباقورى هو حبه للأدب والشعر الذى هذب روحه، ومتعه بحسن البيان، وفقهه فى اللغة العربية وهى لغة القرآن الكريم، ولذلك يروى عن الشيخ أنه كان خطيبا مفوها، وشاعرا مجيدا، يتتبع الألفاظ ومعانيها ويتأملها، ويرصد تطورها، والظرف الزمنى الذى نشأت فيه هذه الألفاظ واستخداماتها، ليقف على معانى القرآن والحديث، لكن تعمقه فى الدراسة الجمالية للإسلام وتراثه، لم ينسه دوره السياسى كعالم بأمور الدين لا يقبل الظلم ولا يرضى به، فاشترك فى إضراب الأزاهرة المطالب بإصلاح الأزهر، وعودة الشيخ المراغى وتم فصله من الدراسة، ولم يعد إليها إلا مع عودة الشيخ.
 
 كان الإمام فى فتاواه التطبيقية يدافع عن الأعمال الخيرية والوقف لله لما فى ذلك من إشاعة التكافل والتراحم فى المجتمع، فقد ألقى بيانا بمجلس الشعب عن أهمية الوقف الخيرى، قال فيه: ولقد تأخذ أحدنا الدهشة، وهو يستعرض حُجَج الواقفين، ليرى القوم فى نبل نفوسهم، ويقظة ضمائرهم، وعلوِّ إنسانيتهم، بل سلطان دينهم عليهم: يتخيَّرون الأغراض الشريفة التى يقفون لها أموالهم، ويرجون أن تنفق فى سبيل تحقيقها هذه الأموال، وأخذ يعدد أوجه الوقف الإسلامى، ومدى رحمة الإسلام وعظمته فى بث روح التقارب والألفة فى المجتمع: فقد كان هناك وقف يسمى بوقف الأوانى المكسورة، وهو وقف تُشترى منه صحاف الخزف الصينى، فكلُّ خادم كُسرت آنيته، وتعرَّض لغضب مخدومه، له أن يذهب إلى إدارة الوقف فيترك الإناء المكسور، ويأخذ إناء صحيحًا بدلًا منه. وبهذا ينجو من غضب مخدومه عليه، وكان هناك آخر لإطعام الكلاب الضالَّة، وكان هناك وقف لإعارة الحلىِّ فى الأعراس، وآخر للزوجات الغاضبات حتى تجد المرأة ما تأكله إذا غضبت من زوجها ولم يكن لها بيت يأويها، وكان هناك وقف آخر باسم «مؤنس المرضى والغرباء» وفيه ينفق على أصحاب الأصوات الحسنة، ليرتلوا القرآن وينشدون القصائد ليسروا بها عن المرضى، وفى بلاد المغرب كان هناك وقف لمن يريد أن يستحم ولا يجد مالا، كما كان هناك وقف لإطعام الطيور المهاجرة والقطط التى لا مأوى لها، وكل ذلك يبرز عظمة الإسلام ورحمته.
 
 






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة