أكرم القصاص

من حلبات المصارعة الرومانية إلى مستطيلات المونديال الخضراء

الإثنين، 18 يونيو 2018 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مثل كل مواطن مصرى فى كل مكان، أتمنى أن يشفى محمد صلاح ويعود للملاعب، لينضم إلى فريقنا فى المونديال، وأحلم مع غيرى بأن نفوز ونصعد، صحيح أن غياب صلاح عن مباراة أوروجواى كان كاشفا عن فريق بمستوى جيد، مع غياب استراتيجية التهديف، لكن حضور صلاح يعطى قدرا من الاطمئنان، وفى نفس الوقت يضع عبئا ضخما على كامل الفريق، وعلى صلاح نفسه، ولهذا يستحقون التعاطف والتبرير. صلاح لاعب حالة خاصة لم نرها من سنوات، تتجاوز فكرة الحرفنة وتدخل فى سياقات التجلى، مع علاقة خاصة بالجمهور والناس كلها، حتى هؤلاء الذين ليس لهم فى الكرة ولا فى التشجيع، ولا هؤلاء المعتدلون الذين اكتفوا دائما بتشجيع «اللعبة الحلوة»، وهى حالة لا تتماشى مع التشجيع، الكرة أجوان وفوز وخسارة والباقى كمالة للصورة.
 
لقد أعاد محمد صلاح للعبة الكرة بريقها وجذب جمهورا إضافيا، كان قد غادر التشجيع، هذا بجانب حالة كروية عوالمية، اجتاحت القارات، كرة القدم لعبة شعبية وأيضا بيزنيس تقف وراءه شركات وتحالفات، يحول انفعالات الجمهور إلى مليارات الدولارات، ومع الوقت لم يعد الجمهور محليا أهلى وزمالك أو منتخب، بل انتقل لنرى مشجعين لبرشلونة وريال مدريد، وليفربول، ومحمد صلاح الذى أصبح حالة من التجلى اللافت.
 
طبعا «ترستات» تقف وراء عالم المستطيلات الخضراء، شركات وفرق وتحالفات أحذية ومشروبات وملابس وأطعمة، كل تفصيلة من تفاصيل الملاعب واللاعبين هناك عيون عليها تسعى لاستخراج المال من زائير الجماهير وانبساطها.
 
نحن الجمهور لنا الفرح والحزن، ونأمل أن يتجاوز منتخبنا خطوط الدفاع ليسجل أهدافا ويصعد خطوات للأمام، ونراهن رهانات لا علاقة لها بالواقع، وعندما نقارن خطط الدفاع المتكررة بفرق أخرى، نكتشف الفرق الواسع، هناك اختلافات كبيرة وظروف أخرى، وفرق تتنوع وتختلف فى الأداء والتهديف وطريقة اللعب، ونحن نتمنى الشفاء العاجل لصلاح حتى يلعب ويفرح الجماهير نتمناه لأنفسنا. الجمهور لا يطلب شيئا لنفسه ولا يستفيد ماديا من وراء الفوز ولا يدفع مع الهزيمة، لكنها أحاسيس مثل الحب والحنين والسعادة والونس والبهجة، ليس لها معان مادية، لكنها معان روحية ونفسية، لها علاقة بالمزاج والأحاسيس الداخلية، والجمهور شريك فيها بقلبه، ينفعل مع كل لعبة، ويحزن مع الهزيمة، وينفجر مع التهديف والفوز. كرة القدم ليست معادلات كيمياء وفيزياء ولا علاقة مباشرة لها بالعقل والمنطق، لكنها تقدم فى نفس الوقت إجابات عن أهمية المشاعر والتفاصيل النفسية فى العلاقات بين البشر.
 
طبعا هناك متعصبون بين مواطنى اللعبة الشعبية، ووراء كل فرح وحزن يقف قراصنة، وتجار يحولون الهياج الجماهيرى والفرح والحزن والإحباط إلى دولارات تصب فى قنوات متعددة وتصنع اقتصاديات ورؤوس أموال، فى صناعة تحول عواطف الجمهور وانفعالاته إلى أموال تضخ فى خزائن، وتحول اللاعبين أنفسهم إلى أدوات فى هذا الدولاب الضخم، يهمها أن يظل اللاعبون قادرين على اللعب وتغذية روح الجماهير بالكثير من الفرح والحزن والأمل والإحباط، لتظل الماكينات تضخ أموالها.
 
والجمهور أيضا يشارك هؤلاء رغبتهم فى أن يبقى اللاعبون قادرين على صناعة البهجة إرضاء لرغبات متوحشة، وكأنهم ورثة جمهور حلبات المصارعة الرومانية، عندما كان المصارعون يتقاتلون وسط هياج الجماهير الهيستيرى وتصفيقهم، بينما الرعاة وكبار اللعبة فى الفيفا وغيرها يريدون أن يبقى اللاعب فى الحلبة لأطول وقت حتى تستمر الرهانات، وقد نقلت العولمة كرة القدم من حلبات المصارعة الرومانية إلى المستطيلات الخضراء.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة