في مخيم للنازحين فى شمال سوريا، يتسمّر عشرات الرجال والفتيان أمام شاشة تنعكس ظلالها على خيمة كبيرة لمتابعة مباريات مونديال 2018، وهى مناسبة تكاد تشكل فسحة الهروب الوحيدة من واقعهم المعيشى الصعب.
عبر مكبرات الصوت، يصدح صوت المعلق الرياضي خلال المباريات في أنحاء مخيم مدينة عين عيسى، الواقعة على بعد أكثر من خمسين كيلومتراً شمال مدينة الرقة. وتعلو صيحات المشجعين فى كل مرة يتم تسديد هدف ومع تقدم المباريات.
يفترش عشرات النازحين من الرقة وريف حلب (شمال) ودير الزور (شرق) الأرض في احدى ساحات المخيم ليلاً وداخل خيمة نهاراً، للهرب من أشعة الشمس الحارقة، ومتابعة الفرق المتنافسة عبر شاشة عرض متنقلة ساهمت منظمة خيرية فى تأمينها.
ويقول عبدالله فاضل العبيد (38 عاماً) وهو يرتدى ثياباً رياضية لوكالة فرانس برس "مشاهدة كأس العالم في المخيم مبادرة جميلة جداً لأنها تخرج الناس من الضيق الذي يعيشونه".
ويضيف "تتسلى الناس وتتابع المباريات.. الشعب كله يحب الرياضة" بينما يتابع مباراة جمعت منتخبي المكسيك وألمانيا الأحد، نزح عبدلله قبل أكثر من عام من بلدة مسكنة في ريف حلب الشرقى، تزامناً مع بدء قوات النظام السورى هجوماً لطرد تنظيم داعش منها.
ويروي الرجل الذي كان يمارس كرة القدم مع فريق محلي كيف كان "داعش يتوجه للملاعب ويصادر هوياتنا ويسجن الرياضيين باعتبار أن الرياضة تشبّه وتقليد للكفار"، ويضيف "الحمدالله تخلصنا منهم ونشاهد الآن المباريات.. رغم الظروف الصعبة نحن سعداء بمشاهدة كأس العالم".
في مونديال 2018، يشجع عبدالله "فريق مصر الفراعنة". ويقول "حزنا كثيراً على خسارته وعدم مشاركة محمد صلاح" فى المباراة الأولى ضد الأورجواى يوم الجمعة الماضى، لكنه يتوقع "أنه قد تُرك كورقة رابحة للمباراة المقبلة".
وعلى رغم شغف النازحين بكرة القدم ومتابعة المباريات لكن رايات المنتخبات البارزة تغيب عن المخيم الذي يؤوى أكثر من 13 ألف نازح يعيشون وسط ظروف صعبة، فى الفترة الفاصلة بين مواعيد المباريات، يتجمع المشجعون لتقييم المنافسة، ينفث بعضهم دخان سجائره بينما يلهو الأطفال قربهم.
خلال ساعات النهار، تنتقل شاشة العرض الى داخل خيمة عبارة عن مطبخ جماعي مخصص لعشرين عائلة. يجلس الأطفال بجوار آبائهم وأشقائهم رغم الحرارة المرتفعة وسط إنارة خافتة بما يتيح لهم رؤية الشاشة. ويحضر بعض النازحين معهم وسادات أو قطع قماش للجلوس عليها فيما يتابع آخرون المباريات وقوفاً.
خارج الخيمة، يقف معبد المحمد (23 عاماً)، النازح منذ عام من مدينة الرقة التى طردت قوات سوريا الديموقراطية بدعم أمريكى تنظيم داعش منها في أكتوبر الماضى بعدما جعلها معقله لنحو أربع سنوات.
ويقول الشاب الذي يهوى كرة القدم منذ طفولته لفرانس برس "هذا المونديال صعب للغاية لأننا نعيش في مخيم وظروفنا صعبة". ويتابع "هنا الجو حار ونفتقد لأصدقائنا وللحماس بسبب ظروف الحرب التي حرمتنا من أشياء جميلة وكثيرة بينها الرياضة".
في مونديال العام 2014، الذى تزامن مع سيطرة التنظيم المتطرف على مدينة الرقة، كان بإمكان معبد متابعة المباريات من منزله، فيما كان التنظيم قد بدأ مداهمة المقاهى وحث السكان على التخلى عن مشاهدة كرة القدم والانصراف للصلاة.
ويأمل هذا الشاب المشجع للمنتخب البرازيلى أن يكون "الكأس من نصيب فريق السامبا وأن نتمكن من مشاهدة المونديال المقبل فى الرقة ووسط ظروف أفضل".
منذ وصوله الى المخيم قبل تسعة أشهر نازحاً من محافظة دير الزور (شرق)، أخذ عبدالله عبد الباسط السومة (47 عاماً) على عاتقه رعاية النشاطات الرياضية في المخيم انطلاقاً من شغفه بكرة القدم.
ويقول لفرانس برس "فرح الشباب جداً عندما وضعت شاشة العرض"، مضيفاً "نسد الفراغ والملل الظروف قاسية هنا لكن المباريات تنسينا بعض الهموم".
على غرار كثيرين، يفتقد أبو أشرف لحماس الجمهور الذي يميز متابعة المونديال. ويقول "أثرت الحرب على هذا الجيل الذي حرم منذ سبع سنوات من الرياضة".
لكنه يأمل أن يكون المستقبل أفضل على الصعد كافة ،ويقول "نتمنى أن نشاهد كأس العالم المقبل في بيوتنا وتكون سعادتنا أكبر".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة