قبل عدة أيام من توجه الناخبون الأتراك للإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التى ستجرى الأحد المقبل، نشر مركز "نسمات" للدراسات الاجتماعية والحضارية بالتعاون مع موقع صحيفة "زمان التركية" تقريره الثانى لهذا العام حول الوضع المزرى للصحافة ومعاناة الصحفيين فى تركيا التى تدار منذ سنتين كاملتين بقانون الطوارئ.
ويتكون التقرير في 38 صفحة، ويتكون من خمسة عناوين رئيسية، وهى “حقائق وأرقام”، و”سيطرة الخوف على المشهد الإعلامى”، و”معاناة الصحفيين داخل السجون التركية”، و”أوضاع الصحفيين المعيشية خارج السجون”، و”الصحفيون المشردون فى المنافى".
وأكد التقرير أن 319 صحفيًّا معتقلاً يقبعون فى السجون منذ صبيحة تحرك الجيش التركى ضد رجب طيب أردوغان فى 15 يوليو 2016 ، حتى الآن، كما صدرت مذكرات اعتقال بحق 142 صحفيًّا آخرين مشردين في خارج البلاد، مشيراً إلى أن 839 صحفيًّا حُوكِم قضائيًّا خلال عام 2017 المنصرم على خلفية تقارير صحفية أصدروها أو شاركوا فى إعدادها، طبقًا لما أوردته مؤسسة الصحفيين الأتراك.
التقرير
وعلق التقرير قائلاً: "هذه الأرقام تؤكد على خطورة وضع حرية الإعلام في تركيا، وعلى تدهور الحريات بوتيرة متسارعة وأسوأ مما يعتقد كثير من المحللين، منبّهًا إلى أن هذه البيانات مرشحة للزيادة بسبب الحملات الأمنية المستمرة للقبض على الصحفيين.
وتطرق التقرير إلى التهم الموجهة للصحفيين المعتقلين بقوله: "يأتى الصحفيون المحتجزون في السجون من خلفيات ثقافية مختلفة، ولكن الصفة المشتركة بينهم جميعًا أنهم معارضون للحكومة، وقد تم اتهامهم بانتمائهم لمنظمة إرهابية أو أكثر".
غلاف التقرير
وكشف عن تناقض السلطة الحاكمة فى توجيه اتهاماتها العشوائية للصحفيين حيث قال: "يوجد 44 صحفيًا متهمين بانتمائهم لحزب العمال الكردستانى أو لاتحاد كردستان، و11 صحفيًّا يساريًّا من جريدة “جمهوريت” اعتقلوا واتهموا بالعمل لصالح كل من حركة الخدمة وحزب العمال الكردستانى".
أما عن وسائل الإعلام التى أغلقت بعد محاولة الانقلاب فوصل مجموعها حتى الآن 189 وسيلة إعلامية مختلفة، منها: 5 وكالات أنباء، 62 جريدة، 19 مجلة، 14 راديو، 29 قناة تليفزيونية، 29 دارًا للنشر تابعة لحركة الخدمة، فضلاً عن كثير من القنوات والإذاعات الكردية واليسارية والعلوية المستقلة بخلاف حجب 127.000 موقعًا إلكترونيًّا، 94.000 مدونة على شبكة الإنترنت منها موقع “ويكيبيديا” الموسوعى.
المدير الاقليمى لصحيفة زمان التركية إسحاق إنجى
وتعرض التقرير أيضًا لما يواجه الصحفيون فى مراكز الأمن أو السجون من إساءة وإهانة وتعذيب إذ قال: "تفرض السلطات قيودًا صارمة على اتصال السجناء مع محاميهم؛ وفي أحسن الأحوال، يُسمح للسجناء بلقاء محاميهم تحت المراقبة. ولا يُسمح لبعض السجناء باستلام الرسائل أو الكتب الآتية من الخارج. يُسمح فقط لأقرب الأقارب مرة فى الأسبوع بزيارة السجناء، من خلال نوافذ زجاجية وعن طريق الهاتف. كما لا يسمح بتواصل السجناء مع سجناء آخرين ما عدا السجناء المحتجزين فى الزنزانة ذاتها. هذا بالإضافة إلى الشكاوى من طول فترة الحبس الاحتياطى، والحبس الانفرادى، والتعذيب النفسى والجسدى، وعدم المراعاة الطبية لذوى الاحتياج من المرضى، وتكديس المحتجزين فى عنابر لا تسعهم".
وأفاد التقرير أن المعتقلين من الصحفيين في هذه السجون يتعرضون لأنواع متعددة من التنكيل والإساءة والتعذيب والانتهاك البدنى والنفسى كُشف عن بعض حالاته، وهناك حالات كثيرة لم يكشف عنها بعد، فمن هذه الحالات التى تم الكشف عنها “عائشة نور باريلداك”، وهى صحفية شابة قبض عليها فى 11 أغسطس 2016 بتهمة انتمائها لجماعة إرهابية، ونسب إليها تهمة العمل فى جريدة "زمان" -الجريدة التى كانت أكثر توزيعًا فى تركيا قبل أن يتم إغلاقها من قبل الحكومة في يوليو 2016، كما اتهمت أيضًا بأنها تمتلك حسابًا فى بنك "آسيا"، ويتابع حسابها على موقع التواصل الاجتماعى “تويتر” شخصية صحفية مجهولة تُدْعَى "فؤاد عونى".
وتداولت وسائل الإعلام التركية حالة “عائشة نور باريلداك” لأنها أرسلت رسالة من السجن لجريدة “الجمهورية” تَشْتكى فيها من معاناتها داخل السجن؛ فقد تعرضت للضرب والتعذيب، بالإضافة لتعرضها للتحرش الجنسى، حيث قالت: “لقد تم التحقيق معى لمدة ثمانية أيام، وكان التحقيق مستمرًّا على مدار الساعة، المحققون كانوا سُكارى، أخاف أن أُنْسَى داخل الحبس”.
وقال التقرير فى قسم "الصحفيون المشردون في المنافى": "خلال عام 2017 وصل عدد الصحفيين الذين يواجهون خطر القبض عليهم واحتجازهم إلى 142 صحفيًّا وإعلاميًّا، وبعضهم كان خارج البلاد بصورة طبيعية قبل 15 يوليو 2016، بينما اختبأ آخرون عند ذويهم، وقام البعض الآخر بالهرب من تركيا بطرق غير شرعية معرضين حياتهم للخطر في سبيل حريتهم. كما يوجد عدد غير قليل من هؤلاء الصحفيين ما زالوا مفقودين. وبالحديث مع بعض هؤلاء الصحفيين، وجد أنهم يواجهون معاناة من نوع آخر، ويعانون كثيرًا من الصعاب، فهم يخاطرون بسلامتهم الشخصية، كما أن الإعلام الموالى للدولة يستهدفهم، ويوجه لهم الاتهامات المختلفة فيتعرضون للتهديد، لا سيما من قبل المؤسسات الموالية للحكومة وللحزب الحاكم. أما الذين استطاعوا الهروب خارج تركيا من الصحفيين فيؤكدون أن الدولة التركية تجمع عنهم معلومات وتجهز بحقهم ملفات، وتحرض عليهم مجموعات من الموالين لها فى الخارج”.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة