ما الذى يقصف أعمار الرجال؟ إنه الغرور، هو الذى يفعل ذلك، لكن لا أحد يتعلم الدرس أبدًا، وما الذى يقضى على تاريخ الدول؟ إنها العزلة، هى التى تدمر كل شىء، لكن لا أحد مشغول بقراءة التاريخ وتأمله.
هذا الكلام طرأ فى ذهنى، بعد متابعتى البسيطة لطريقة التفكير التى تسيطر على الإدارة الأمريكية مؤخرا، وكم الأخطاء التى يرتكبها البيت الأبيض صباح مساء، والذى يدل بشكل قاطع على «الاستعلاء» الذى كان آخره هو إعلان سفيرة أمريكا لدى الأمم المتحدة نيكى هايلى، عن انسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان الدولى، بزعم أنه «متحيز» ولا يستحق اسمه.
وهذا الكلام يكشف حتما، عن التحيز الأمريكى، الذى يخرج بها من دائرة «السياسة» إلى دائرة «العنف» الناتج من الإحساس الزائد بالقوة، وعدم الشعور بالخطر أو القلق، وهما أمران طبيعيان للاستمرار البشرى كله، وليس الدول فقط.
وهذا الكلام الذى أظنه وأقول به عن غرور أمريكا ليس رأيا عاطفيا منى، بل إن المتخصصين وأهل العلم يرون هذا الرأى، ففى التصريح الذى أدلى به الدكتور عبد المنعم سعيد، للزميل محمد إسماعيل، فى «اليوم السابع» قال فيه «إن قرار الولايات المتحدة الأمريكية بالانسحاب من مجلس حقوق الإنسان الدولى، يعبر عن نظرة ترامب الفوقية للأمم المتحدة والمنظمات متعددة الأطراف، وأى جهة لها علاقة بالقانون الدولى».
وبالطبع فإن الموقف الأمريكى الأخير لا ينظر إليه بشكل فردى، بل يوضع فى سياقه الممتد من سياسة ترامب التى تدعو للتقليل من الضعفاء فى الأرض، وهذا ما لاحظه الجميع فى موقفه من المهاجرين منذ بداية توليه، وتحريضه ضد الأقليات، وموقفه المخزى من القضية الفلسطينية، خاصة بعد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، وموقفه من الاتفاق النووى الإيرانى، واتفاقية المناخ، وغير ذلك الكثير من المواقف التى تكشف الحالة السيئة التى يعيشها العالم، بسبب أن قوته الكبرى «تعانى نفسيا» بهذا الشكل المرعب.
كل هذه الرعونة سوف تؤدى بشكل مباشر إلى نوع من العزلة، التى ستعيشها أمريكا، على يد ترامب، ومن يتبنى سياسته من الرؤساء التالين له، وذات يوم سوف تجنى الأجيال المقبلة، النتائج السيئة للأفكار الخاطئة التى تمارس حاليا، وستصبح أمريكا مجرد قوة عظمى «سابقة»، فقط كل ما يحتاجه العالم أن يتعلم الاستغناء عن ذلك «الشرطى الظالم» الذى يترك اللصوص ويضطهد الأبرياء ويهدد بانسحابه لو لم يعجبه الأمر.
وأراهن بكل ما أملكه بأن أمريكا ذات يوم سوف تنسحب، وسيكتشف الجميع، أنها خيرا فعلت وسيغلقون عليها أبواب العزلة، لتبقى وحيدة فى بيتها الأبيض.