أكرم القصاص - علا الشافعي

أحمد إبراهيم الشريف

قبل أن تقوم بـ ثورة عليك أن تتعلم أولا

الثلاثاء، 26 يونيو 2018 06:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
منذ أيام قليلة، حدث موقف غريب بعض الشىء، بين الرئيس الفرنسى ماكرون وأحد طلبة المدارس، وهو موقف كاشف، وتمنيت أن يعرفه الجميع، لأنه للأسف مر دون أن يحظى بما يستحقه من تأمل، وسط صخب كأس العالم الذى نعيش فيه.
الموقف هو أن الرئيس الفرنسى ماكرون تعامل بشكل حاد مع شاب خاطبه بشكل غير رسمى، قائلا له «مانو»، والبداية كانت عندما حضر ماكرون احتفال ذكرى دعوة الجنرال شارل ديجول إلى المقاومة الشعبية خلال الحرب العالمية الثانية، وكان الشاب يقف وراء حاجز أثناء مرور الرئيس، وردد الشاب كلمات النشيد الاشتراكى الدولى قبل أن يقول للرئيس: كيف الحال مانو؟ ليرد ماكرون عليه بحدة «لا.. أنت هنا فى احتفال رسمى، لا يمكنك أن تتصرف على هذا النحو، بوسعك أن تتصرف كبهلوان، ولكن اليوم نحن نغنى النشيد الوطنى، عليك أن تقول لى سيادة رئيس الجمهورية أو يا سيدى»، وأضاف ماكرون: «عليك أن تفعل الأمور بالأسلوب السليم، حتى إذا كنت تريد أن تقود ثورة، أولا عليك الحصول على شهادة، وأن تتعلم كيف تضع الطعام على المائدة».
من وجهة نظرى فإن غضب ماكرون هنا فى محله تماما، وحسنا فعل أنه لم يجعل الأمر يمر فى هدوء، ولم يخش كاميرات التصوير، لأنه فى موضع مسؤولية، وهى تحتم عليه أن يتنبه للخطر الكامن خلف جملة «الطالب» فى أن ينادى رئيس جمهوريته بكلمة «تدليل» حتى لو كان الرئيس شابا فى مثل عمر ماكرون، لأن الانهيارات الثقافية والأخلاقية تبدأ عندما تسقط الخيوط الرفيعة التى لا تتنبه للسياقات التى يدور فيها الحدث.
سواء قصد ماكرون ذلك أم لم يقصد، لكنه أشار من طرف خفى إلى المؤسسات ودورها فى حفظ توازن المجتمع، كما أكد أن الرغبة فى التغيير، وهى حق مشروع، تحتاج إلى «وعى» وإلى نوع من التعلم، حتى فى طريقة الخطاب.
وبالطبع كان «الطالب» من الذكاء بحيث قدم اعتذاره لـ ماكرون، قائلا: «آسف سيدى الرئيس»، وهو ما يعنى أنه قد استوعب الدرس، والأهم بالنسبة إلىّ أنه كان سريع الاستجابة فى تعلمه.
من جانب آخر، فإن هذا الحوار، حتى لو رآه البعض غير متوازن، وأنه من طرف واحد، لكنه فى الحقيقة لم يكن كذلك، بل إنه فى حقيقته، صيغة متبادلة بين كلام وفعل، بين الرئيس والطالب، انتقل عبر وسائل الاتصال إلى المجتمع الفرنسى، قبل أن ينتقل إلى أفق أوسع خارج فرنسا.
هذه اللحظات الدقيقة التى قد لا نتنبه إليها، تكون، على المستوى الفعلى، محملة بالكثير من طرق التفكير التى تحكم الدول والأنظمة، وتوضح إلى أى مدى هى مدركة لوجودها وناظرة إلى مستقبلها.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة