خلال أقل من عشرة أيام وقعت جريمتا قتل فى مكانين منفصلين، يجمع بينهما أنهما من جرائم القتل العائلى، الأولى والأكثر بشاعة وقعت فى شارع فيصل وارتكبها ابن فنان سابق، أقدم على قتل زوجته وابنتيه خنقا بزعم أنه خسر أمواله فى البورصة وخاف على أسرته من الفقر فقرر قتلهن، وهى حجة غريبة لأن مثل هذه الجرائم عادة ما تقترن بانتحار الأب نفسه مثلما جرى قبل سنوات عندما انهارت البورصة وأقدم رجل أعمال على قتل أسرته والانتحار.
اللافت فى الجريمة أن الأب قتل أسرته أثناء مباراة مصر وروسيا، حيث تسلل مستغلا انشغال الجيران وأهل المنطقة بمشاهدة المباراة، وارتكب جريمته وهرب ليشاهد المباراة فى مكان بعيد، وعاد إلى منزله ليمثل الصدمة من مقتل أسرته وزعم سرقة حقيبة فيها 340 ألف جنيه. وعاش دور الأب المكلوم، لكن التحقيقات كشفت أنه هو القاتل، وعندما اعترف قال إنه خنق زوجته وابنتيه خوفا عليهن من الفقر، هناك تحريات تشير إلى أن الأب القاتل كان يتلقى علاجا نفسيا طوال سنوات، لكن قصة مرضه النفسى تتعارض مع تخطيطه وهروبه وادعاء أن آخرين قتلوا الأسرة.
الجريمة الثانية وقعت فى البحيرة، حيث ذبح طالب فى كفر الدوار والديه مع حديث عن أنه قتلهما بسبب خلافات أو سوء معاملتهما له.
الجريمتان تدخلان فى إطار القتل العائلى، الأب القاتل خسر بالبورصة وقتل أسرته ولم ينتحر، مثلما جرى من سنوات.
الجديد فى حادث فيصل أن يقدم الأب على قتل أسرته خوفا عليها، وهى جريمة تحمل بعض الغموض، وربما تكشف عنها التحقيقات، وبالطبع سيتم عرض الأب القاتل على طبيب نفسى لمعرفة حالته، ونفس الأمر فيما يتعلق بالابن قاتل والديه فى البحيرة، لأن الإقدام على قتل الأسرة سواء الزوجة والبنات أو الأب والأم يتطلب تركيبة إجرامية مختلة أو شديدة الحرص. لأنه مهما كانت الدوافع من الصعب تصور أن الخوف على مشاعر الأسرة تدفع لقتل أفرادها.
وخلال العقود الأخيرة ظهرت هذه النوعية من الجرائم العائلية وارتبطت بالوضع الاقتصادى والاجتماعى وتحولات المجتمع، التى تغير من التركيبة النفسية، أو تصنع دوافع ومشاعر مختلة.
ودائما كان هناك من يسأل: ما الذى جرى للمجتمع؟ ومهما كانت الخلافات بين الأب وأبنائه أو الابن ووالديه فان وصولها إلى القتل يعنى تقطيعا وتمزقا فى العلاقات العائلية، وربما كانت هناك حاجة لتوسيع دوائر البحث الاجتماعى والنفسى، والاعتراف بأن هناك تحولات فى المجتمع ارتبطت بتغيرات اجتماعية واقتصادية، والثقافة السائدة التى ترتبط بتصاعد الطموحات لدى بعض الأفراد والرغبة فى الربح السهل من خلال البورصة أو توظيف الأموال، وهى أنشطة بعضها خطر والبعض يحتمل الربح والخسارة، وبالتالى فإن الشخص الطبيعى يتوقع الخسارة أو الربح ويحتاج إلى توازن نفسى يحميه من الصدمات، والدليل أن هناك كثيرين يتعرضون لصدمات الخسارة ولا يقدمون على قتل أسرهم أو يتعرضون لاختلالات إجرامية أو عقلية، لكن الأمر بحاجة إلى دراسات اجتماعية ونفسية ترصد ما طرأ على المجتمع من تحولات تقود إلى انتشار جرائم القتل العائلى.