عرف المصرى القديم فن البورتريه منذ أقدم العصور، فقد اعتاد منذ عصر الدولة الوسطى وضع قناع كرتونى عن طريق تثبيت طبقات من نسيج ورق البردى وصقلها بالجبس وكانوا يرسمون عليها وجهًا لصاحب المقبرة، لكن يبدو أن أشهر تلك البورتريهات المصرية على الإطلاق تلك الذى عثر عليها فى الفيوم، وعرفت بـاسم "وجوه الفيوم".
ومع انتشار الحديث مؤخرًا عن "وجوه الفيوم" وربطها بالديانة المسيحية، وبين ما يشير إلى أنه نوع فنى ليس له علاقة بالأديان من قريب أو من بعيد، نحاول توضيح ما هى تلك البورتريهات وكيف اكتشفت وهل لها علاقة بالمسيحية أم لا؟
بحسب كتاب "الفيوم" للكاتبة جيهان مأمون، فإن وجوه الفيوم مجموعة من البورتريهات وتعد من أعظم إنجازات الفن المصرى، وعثر عليها فى الفيوم وهوارة، اكتشفها المنقب البريطانى وليم ماثيوس تيرى عام 1888م، واستطاع اكتشاف 146 لوحة منها، ورغم أنه تم العثور على هذه البورتريهات فى منطقة سقارة فإن القسم الأكبر منها عثر عليها فى الفيوم، وهذه اللوحات تزيد على ألف لوحة استخدمها الرومان من القرن الأول الميلادى إلى القرن الثالث.
فيما يوضح العالم الكبير الدكتور زاهى حواس، وزير الآثار الأسبق، فى كتابه "آثار وأسرار - الجزء الأول" أن أكبر وأهم مجموعة من تلك اللوحات عثر عليها الإنجليزى الملقب بأبو المصريات السير فلندرز بترى، أثناء حفائره بالفيوم عام 1888م، بالجبابة الرومانية بمنطقة هوارة شمال هرم الملك "أمنمحات الثالث" وهى جبانة مدينة أرسنوى، كما كشف عما يقرب من 146 لوحة أخرى.
وتأريخ هذه اللوحات بحسب الدكتور زاهى حواس، يعتمد على أسلوب تصفيف الشعر واللحية، كذلك الحلى والتنزين، فكان تصفيف الشعر مرتبطًا بالموضة فى روما، وهذا يشير إلى تأثير الفن الرومانى على الوجوه، وكانت تنفذ إما على الخشب مباشرة أو على نسيج المومياء نفسها.
ترجع هذه الرسوم إلى العصر الهلينستى وربما أخذوا فكرتها من المصريين القدماء من حيث المعتقدات والطقوس، فالبورتريه كان جزءًا لا يتجزأ من المومياء، لذلك فإن الغرض منها جنائزى وهى مستوحاة من العقيدة الفرعونية.
وأقدم تلك الرسومات يرجع إلى النصف الأول من القرن الأول الميلادى، ومعظمه يرجع إلى القرنين الثانى والثالث الميلاديين، غير أن بعضها يرجع إلى القرن الرابع الميلادى، ويرجع عدم ظهورها بعد ذلك إلى الإعراض شيئًا فشيئًا عن تحنيط المتوفى والاستعاضة عن ذلك بجثث مرتدية الملابس العادية، وهذا التحول زاد انتشارًا فى مصر خلال القرنين الثالث والرابع الميلاديين.
يذكر أن المسيحية بدأت فى الانتشار فى جميع أنحاء البلاد فى القرن الثانى الميلادى، وهو ذلك الوقت التى بدأت فيها الإقلاع عن التحنيط كون المسيحية لم تكن تؤيد التحنيط، وذلك استندا للنص الإنجيلى "فمن التراب نحن وإلى التراب نعود عند الموت"، وهو ما يفسر أن وجوه الفيوم ليست مرتبطة بالديانة المسيحية على ما هى مرتبطة أكثر بالتحنيط والفن المصرى القديم.