هذا مثال واضح على أن الديمقراطية بشكلها الأوروبى المتعارف عليه ليست الدواء الشافى لجميع الأمراض، وليست، كما يزعم البعض، هى العلاج الفعال للفساد، فقد تتحول بين ليلة وضحاها إلى نقمة، وقد تصبح أداة للفقر والإفقار والديكتاتورية أيضا، فالشعب لا يكون على صواب فى جميع الأوقات، والشعب أيضا هو الذى انتخب هتلر فى ألمانيا ولم يستطع خلعه، وهو الذى انتخب الإخوان فى مصر ولم يقدر على زحزحتهم إلا حينما التحم مع الجيش المصرى، وفى بريطانيا يبكى الجميع على قرار الشعب البريطانى بالخروج من الاتحاد الأوربى، فقد شعرت بريطانيا الآن أنها أصبحت محاصرة سياسيا وثقافيا واقتصاديا، وإن لم تتراجع بريطانيا عن هذا لقرار فستعانى أشد المعاناة على كل الاصعدة.
بحسب التقرير الذى نشرته اليوم السابع فإن قطاع السيارات فى بريطانيا من أشد المتضررين، حيث يؤكد خبراء القطاع أن 860 ألف وظيفة فى القطاع باتت فى خطر، أما مجموعة الصناعات الجوية الأوروبية «إيرباص»، فقد لوحت بمغادرة بريطانيا فى حال خروجها من الاتحاد الأوروبى، كما أكدت «إيرباص» أنها ستعيد النظر فى استثماراتها فى المملكة المتحدة إذا تم الانفصال، وتعد هذه الإشارة من أكثر الإشارات التى تلقتها بريطانيا قسوة، إذ تسهم «إيرباص» بـ7.8 مليارات جنيه إسترلينى فى النشاط الاقتصادى البريطانى، وتوفر حوالى 11 ألفا و500 وظيفة مباشرة أو غير مباشرة، وصفت الحكومة المحلية العمالية القرار بأنه «مقلق للغاية».
هذا جانب واحد عن بعض الأخطار التى ستواجهها بريطانيا فى قطاع واحد «قطاع النقل»، وقس على هذا بقية القطاعات التى تشهد الآن تراجعا عاليا، والمتوقع أن تتضاعف سرعة هذا التراجع مع كل تطوير يطرأ على اتفاق البريكست، وهو ما جعل قطاعا عريضا من الشعب يفكر جديا فى التراجع عن تطبيق قرار الانفصال، لدرجة أن صحف بريطانيا تؤكد أن هذا العام شهد تحولا تدريجيا فى النقاش حول البريكست، وأشارت إلى أن رئيسى الوزراء السابقين تونى بلير والسير جون ميجور أيدا فكرة التصويت العلنى على الصفقة النهائية، بينما شاركت جماعات مثل «الأفضل من أجل بريطانيا» و«صوت الشعب» فى مظاهرات لندن، السبت الماضى، بالتزامن مع الذكرى الثانية لإجراء الاستفتاء فى 23 يونيو 2016، لإقناع الناخبين بأن يكون لهم الكلمة الأخيرة فيما يتعلق بالـ«بريكست»، أو خروج البلاد من الاتحاد الأوروبى وتجمع مؤخرا آلاف المتظاهرين فى لندن للمطالبة بتنظيم استفتاء ثان حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، وذلك فى الذكرى الثانية للاقتراع الأول حول بريكست، وهو ما يعنى أن الارتباك الذى سببه قرار الشعب بالخروج من الاتحاد الأوروبى وضع بريطانيا فى معاناة وتخبط بدأ منذ بداية الفكرة ومن غير المنتظر أن ينتهى قريبا، فهل هذا هو غرض الديمقراطية؟!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة