تفسير ابن كثير
هذان مثلان ضربهما اللّه تعالى لنوعى الكفار، فأما الأول من هذين المثلين فهو للكفار الدعاة إلى كفرهم الذين يحسبون أنهم على شىء من الأعمال والاعتقادات، وليسوا فى نفس الأمر على شىء، فمثلهم فى ذلك كالسراب الذى يرى فيه القيعان من الأرض من بعد كأنه بحر طام، والقيعة جمع قاع كجار وجيرة، وهى الأرض المستوية المتسعة المنبسطة وفيه يكون السراب، يرى كأنه ماء بين السماء والأرض، فإذا رأى السراب من هو محتاج إلى الماء يحسبه ماء قصده ليشرب منه، فلما انتهى إليه (لم يجده شيئا) فكذلك الكافر، يحسب أنه قد عمل عملاً وأنه قد حصل شيئاً، فإذا وافى اللّه يوم القيامة وحاسبه عليها ونوقش على أفعاله لم يجد له شيئاً بالكلية، كما قال تعالى: (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا)، وقال ههنا: (ووجد اللّه عنده فوفاه حسابه واللّه سريع الحساب)، وفى الصحيحين: (أنه يقال يوم القيامة لليهود ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد عزير ابن اللّه، فيقال كذبتم ما اتخذ اللّه من ولد ماذا تبغون؟ فيقولون: يا رب عطشنا فاسقنا، فيقال: ألا ترون؟ فتمثل لهم النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضاً فينطلقون فيتهافتون فيها) ""أخرجه الشيخان""وهذا المثال مثال لذوى الجهل المركب. فأما أصحاب الجهل البسيط، وهم الأغشام المقلدون لأئمة الكفر الصم البكم الذين لا يعقلون فمثلهم كما قال تعالى: (أو كظلمات فى بحر لجى) قال قتادة: (لجى) هو العميق، (يغشاه موج من فوقه موج، من فوقه سحاب، ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها) أى لم يقارب رؤيتها من شدة الظلام، فهذا مثل قلب الكافر الجاهل البسيط المقلد الذى لا يعرف حال من يقوده، ولا يدرى أين يذهب، بل كما يقال فى المثل للجاهل: أين تذهب؟ قال: معهم، قيل: فإلى أين يذهبون؟ قال: لا أدرى.
تفسير الجلالين
(والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعةِ) جمع قاع: أى فيلاه وهو شعاع يرى فيها نصف النهار فى شدة الحر يشبه الماء الجارى (يحسبه) يظنه (الظمآن) أى العطشان (ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئا) مما حسبه كذلك الكافر يحسب أن عمله كصدقه ينفعه حتى إذا مات وقدم على ربه لم يجد عمله أى لم ينفعه (ووجد الله عنده) أى عند عمله (فوفَّاه حسابه) أى جازاه عليه فى الدنيا (والله سريع الحساب) أى المجازاة.
تفسير الطبرى
الْقَوْل فِى تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالهمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبهُ الظَّمْآن مَاء حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّه عِنْده فَوَفَّاهُ حِسَابه) وَهَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِأَعْمَالِ أَهْل الْكُفْر بِهِ، فَقَالَ: وَالَّذِينَ جَحَدُوا تَوْحِيد رَبّهمْ وَكَذَّبُوا بِهَذَا الْقُرْآن وَبِمَنْ جَاءَ بِهِ، مَثَل أَعْمَالهمْ الَّتِى عَمِلُوهَا (كَسَرَابٍ) يَقُول: مِثْل سَرَاب، وَالسَّرَاب مَا لَصِقَ بِالْأَرْضِ، وَذَلِكَ يَكُون نِصْف النَّهَار وَحِين يَشْتَدّ الْحَرّ، وَالْآل مَا كَانَ كَالْمَاءِ بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض، وَذَلِكَ يَكُون أَوَّل النَّهَار، يَرْفَع كُلّ شَىْء ضُحًى، وَقَوْله: بِقِيعَةٍ، وَهِى جَمْع قَاع، كَالْجِيرَةِ جَمْع جَار، وَالْقَاع مَا انْبَسَطَ مِنْ الْأَرْض وَاتَّسَعَ، وَفِيهِ يَكُون السَّرَاب. وَقَوْله: (يَحْسَبهُ الظَّمْآن مَاء) يَقُول: يَظُنّ الْعَطْشَان مِنَ النَّاس السَّرَاب مَاء. (حَتَّى إِذَا جَاءَهُ ) وَالْهَاء مِنْ ذِكْر الشَّرَاب، وَالْمَعْنَى، حَتَّى إِذَا جَاءَ الظَّمْآن السَّرَاب مُلْتَمِسًا مَاء يَسْتَغِيث بِهِ مِنْ عَطَشه (لَمْ يَجِد شَيْئًا) يَقُول: لَمْ يَجِد السَّرَاب شَيْئًا، فَكَذَلِكَ الْكَافِرُونَ بِاللَّهِ مِنْ أَعْمَالهمْ الَّتِى عَمِلُوهَا فِى غُرُور يَحْسَبُونَ أَنَّهَا مُنْجِيَتهمْ عِنْد اللَّه مِنْ عَذَابه، كَمَا حَسِبَ الظَّمْآن الَّذِى رَأَى السَّرَاب فَظَنَّهُ مَاء يَرْوِيه مِنْ ظَمَئِهِ.
تفسير القرطبى
قوله "والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة" لما ضرب مثل المؤمن ضرب مثل الكافر، قال مقاتل: نزلت فى شيبة بن ربيعة بن عبد شمس، كان يترهب متلمسا للدين، فلما خرج صلى الله عليه وسلم كفر. أبو سهل: فى أهل الكتاب. الضحاك: فى أعمال الخير للكافر؛ كصلة الرحم ونفع الجيران. والسراب: ما يرى نصف النهار فى اشتداد الحر، كالماء فى المفاوز يلتصق بالأرض، والآل الذى يكون ضحا كالماء إلا أنه يرتفع عن الأرض حتى يصير كأنه بين الأرض والسماء، وسمى السراب سرابا لأنه يسرب أى يجرى كالماءالشيخ الشعراوى - فيديو
تفسير خواطر محمد متولى الشعراوى
الحق ـ تبارك وتعالى ـ يريد أنْ يلفت أنظار مَنْ شغلتهم الدنيا بحركتها ونشاطها عن المراد بالآخرة، فيصنعون صنائع معروفٍ كثيرة، لكن لم يُخلصوا فيها النية لله، والأصل فى عمل الخير أن يكون من الله ولله، وسوف يُواجَه هؤلاء بهذه الحقيقة فيقال لأحدهم كما جاء فى الحديث: " عملت ليقال وقد قيل ".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة