بعض المسلسلات هذا العام تتناول الفساد والرشوة والتواطؤ وتداخل المصالح المتضاربة، وهى علاقات معروفة وشائعة فى كل تفاصيل الحياة من حولنا، لكن أغلب المسلسلات تحاول أن تنقل الواقع، فتلجأ إلى الصحف وصفحات الحوادث لتنقل منها، ولهذا تبدو بعض المسلسلات مجرد اسكتشات منقولة من صفحات الحوادث بالصحف، وهى أمور قد تبدو إيجابية باعتبار الدراما تتعامل مع الواقع، وتحاول تقديم المجتمع بما هو عليه، لكن ما يحدث فى المسلسلات أنها تتعامل بتلخيص مخل، أو أن الكتاب لا يبذلون جهدا لقراءة القضايا أو أن يعطوا الموضوع بعض الخيال ليكون أكثر عمومية وتعبيرا عن الواقع بشكل يمكن استيعابه، أو حتى يمكن تفهمه.
ومن المتابعة الظاهرية للمسلسلات، نكتشف أن الدراما تركز على الأكشن، فيما يتعلق باللصوص أو العصابات، ولهذا يشعر المشاهد بأنه يرى أعمالا ومشاهد مترجمة ليس لها علاقة بالواقع.
مثلا مسلسل عوالم خفية الذى يفترض أنه يتعامل مع الواقع، ويحاول معالجة قضايا الفساد والسمسرة والتواطؤ وتداخل المصالح بين الموظفين وعملهم وعلاقاتهم بالخارج والفساد، يظهر زوج ابنة عادل إمام أو هلال كامل، وهو يعمل مديرا لمكتب رئيس الوزراء ومتورطا مع زوجته الأولى والثانية، فى توريدات وصفقات وعمولات يحصل عليها مقابل كل صفقة. وتبدو الأحداث مملة مقارنة بوقائع الرشوة والفساد فى وزارة التموين، ومن قبلها الزراعة وغيرها تبدو أكثر خيالا مما تطرحه الدراما الفقيرة.
وأيضا مسلسل رحيم يعالج غسيل الأموال وتهريبها إلى الخارج، ويربط بين العصابات المختلفة، ونرى فى مسلسلات أخرى صراعا بين البوليس وعصابات المخدرات والسلاح والإرهاب فى تداخل وتقاطع ترسمه مصالح لكل طرف.
وبالرغم من أن المسلسلات تركز على الأكشن والصراعات والمطاردات وتحاول الاستفادة من حوادث معروفة، لكن المؤلفين أو المنتجين لا يهتمون كثيرا بالدقة أو الحبكة، وتراهم يقعون فى أخطاء معروفة بالإفراط فى الأكشن وإهمال التفاصيل التى يمكن أن تجعل العمل مقنعا، والنتيجة أن الحوادث والأحداث الواقعية أكثر إقناعا وتشويقا من الأحداث التى يخترعها صناع الدراما، بل إن ما نراه من قضايا فساد وتداخل بين الفاسدين فى الحياة الطبيعية يتجاوز كثيرا الخيالات السطحية فى الأعمال الدرامية، ويميل المسلسلاتيون إلى التغطية على ضعف العمل وتفكك السيناريو بالإفراط فى المشاهد الساخة التى يطير فيها الممثلون فى الهواء، ويقفزون ويغلب الواحد منهم عشرات من الخصوم، فى مشاهد تبدو من فرط سذاجتها أقرب للكوميديا منها للصراع والأكشن.
هى مشاهد يحاولون بها تغطية الضعف وأيضا إضافة دقائق من المط والتطويل إلى الحلقات حتى يمكن تحويل الحلقة إلى خمس حلقات من المشاهد المكررة والأحداث غير المنطقية والنتيجة مسلسلات مسلية، لكنها خالية من المنطق، ولكنها بمفهوم صناع الدراما ومنتجيها أعمال تحقق أرباحا وتجلب إعلانات، وبالتالى فهى معادلة سليمة حتى وإن كانت لا ترضى الجمهور.
ولسان حال المنتجين هو أن الجمهور يمكنه أن يتناول ويهضم أى نوع من المسلسلات مادامت تقدم فى صورة مشوقة، ويرى بعض منتجى الدراما أن الجمهور يريد التسلية التى تتيحها الأعمال المعروضة حتى لو كانت لا تعجب البعض الآخر، المهم أنها تدر عائدا جيدا على منتجيها ومسوقيها. حتى لو كانت تفتقد التماسك، ويظل الفساد فى الواقع أقوى من الدراما، بل إن المسلسلات تعجز عن تقديم فساد مقنع وتضطر للمط والتطويل والتسخين لزوم التسويق، بعدها لا يبدو الجمهور مهما فى هذه المعادلة. ويظل الفساد فى الواقع أكثر إقناعا وتشويقا من الدراما.