لم تعد الجماعات المتطرفة تلجأ إلى الزوايا الصغيرة من أجل نشر أفكارهم أو يحاولون الولوج إلى التجمعات الشبابية بالجامعات أو استقطابهم من خلال مراكز الشباب البعيدة عن دوائر الضوء بل أصبحت عمليات الاستقطاب والتجنيد ونشر الأفكار المتطرفة وتوجيه الرسائل للعالم كلها تتم عبر شبكة الانترنت ومنصاتها المختلفة سواء مواقع للفيديوهات أو مدونات أو مواقع تواصل اجتماعى وهذا ما يعرف فى عالم التنظيمات الإرهابية بـ"الجهاد الإعلامى".
تعتبر الآلة الإعلامية لتنظيم الدولة "داعش" النموذج الحى لما تزعم التنظيمات الإرهابية بأنه "جهاد إعلامى"، وهذا ما وضح خلال الفترة الأخيرة بعدما تكبد التنظيم خسائر فادحة وفقد مساحات واسعة من أرضه ومعاقله الأساسية فى كل من سوريا والعراق ولم يتبقى له سوى جيوب صغيرة ومجموعة من الذئاب المنفردة منتشرة فى بقاع مختلفة، ورغم تلك الخسائر فإن آلته الإعلامية ظلت دائرة - رغم الاعتراف بترنحها - تطلق تهديد ووعيد وأبرزها مؤخرًا مزاعم إفساد مونديال روسيا وأسر نجوم الكرة فى العالم.
داعش.. وأحدث وسائل الجهاد الإعلامى
مؤخرًا أصدر مرصد الأزهر لمكافحة التطرف دراسة جديدة حملت عنوان "هل ترنحت الآلة الإعلامية لداعش"، وتضمنت العديد من النقاط الهامة على رأسها أن التنظيم الإرهابى منذ ظهوره فى 2014 يركز على الشو الإعلامى والفيديوهات الدعائية وتدشين الحسابات عبر مواقع التواصل الاجتماعى، ولا يزال مهتم بهذه الأمور إلى حد ما رغم الهزائم التى منى بها فى العراق وسوريا.
دراسة مرصد الإفتاء لفت إلى نقطة فى غاية الأهمية تتمثل فى أن داعش لم يشبه منذ ظهوره نظراؤه من التنظيمات الإرهابية المتطرفة التى سبقته؛ بل أخذ منحىً آخرَ بداية من طرق القتل المتوحشة والاغتصاب والانتهاكات غير الآدمية، وصولًا إلى تفرده بترسانة إعلامية ضخمة ومنظمة نجحت فى استقطاب المقاتلين من الشرق والغرب على السواء، مما جعل هذا التنظيم الإرهابى الأولَ –على مدار التاريخ- الذى اتخذ من التسويق سلاحه الأقوى، ومن الإعلام السوداء والسجناء ذوى الرداء البرتقالى علامة تجارية معروفة تظهر فى المقاطع المصورة التى ينتجها التنظيم.
كما أشارت الدراسة، إلى أن استراتيجية داعش الإعلامية تركزت إلى حد كبير على الترويج لأفكاره وإقناع الناس بها والدفاع عن سمعته، إضافة إلى خلق صورة ذات تأثير مزدوج قادرة على الجذب والإرهاب فى الوقت ذاته، وخلصت الدراسة إلى أن الشباب هم الهدف الرئيسى لداعش ويليهم عامة الجمهور ممن يهدف التنظيم إلى إثارة شعور واسع النطاق بالخوف وانعدام الأمن لديهم.
وتوصلت الدراسة إلى نتيجة هامة أن الاستراتيجية الإعلامية لتنظيم داعش نجح فى استقطاب آلاف المقاتلين معتمدًا على مقاطع فيديو عالية الجودة ومواكبة لأحدث التقنيات الإعلامية العالمية وكذلك تم طباعة عدد من المجالات وتدشين حسابات عبر مواقع التواصل الاجتماعى إلا أن الآلة الإعلامية للدواعش ترنحت فى الفترة الأخيرة بعد فقدان التنظيم 98% من الأراضى التى سيطر عليها فى سوريا والعراق.
وانتهت الدراسة إلى عدة نتائج أبرزها أن المكافحة الإلكترونية التى شنتها إدارات مواقع التواصل الاجتماعى فيسبوك وتويتر ويوتيوب بالإضافة إلى هجمات القرصنة الإلكترونية لمواقع داعش أدت إلى انخفاض استخدام التنظيم بشكل كبير للسوشيال وبالتالى ترتب عليه ترنح الآلة الإعلامية للتنظيم، كذلك أدى ضعف دور الإعلام الداعشى، إلى انخفاض كمية ونوعية المنشورات التى يروجها التنظيم.
الجهاد الإعلامى ومستقبل التنظيمات المتطرفة
دراسة المرصد تركزت على مفهوم الإعلامى لدى داعش لكن ماذا عن باقى التنظيمات الإرهابية الأخرى، وكيف يتم تداول هذا المفهوم عبر شبكة الانترنت؟.. وفى تقرير قديم يعود إلى عام 2016 نشرت وكالة فرانس 24 تقريرًا يتحدث عن تطور مفهوم الجهاد الإعلامى عبر شبكة الإنترنت مع اشتعال وتيرة الصراع فى سوريا على مدار السنوات الماضية.
تقرير فرانس 24 دار بشكل رئيسى على حوار مع أحد الشخصية مما تسميهم الجماعات الجهادية "جهاديين إعلاميين" وكان قائمًا على إحدى الصفحات الخاصة بجبهة النصرة، وتحدثت تلك الشخصية عن دورها فى نشر البيانات التعريفية بجماعته وكذلك نشر الأناشيد الحماسية لزملائه ممن يتابعون ما يصدر عن فريقهم من فيديوهات، وكذلك تطور دوره فى استقطاب عناصر جديدة، موضحًا أن بعضهم أصبح قيادات ميدانية، وأيضًا فإنه يزعم أن دوره هام فى توضيح صورة التنظيم الذى يتعرض لمحاولات تشويه لصورته وكذلك شق صفوف المجاهدين، وذلك بحسب وصفه.
نقطة لافتة وردت فى حوار الجهادى الوكالة الفرنسية تتمثل فى قوله أن عمله كإعلامى جهادى بات أصعب من ذى قبل والسبب فى وجهة نظره أن المطلوب ليس فقط إعلام الناس بل توعيتهم وتحذيرهم مما يحاك لهم، قائلاً :"الكل يعرف أن الجميع غرباً وشرقاً يستعدون لمحاربة المجاهدين بجميع الأسلحة المتاحة ويجندون الإعلام لذلك".
ومن الأمور التى وردت فى حديث الجهادى وتوضح أهمية الجهاد الإعلامى فى عالم التنظيمات المتطرفة خلال السنوات الماضية وبكل تأكيد سيكون فى المستقبل كذلك قوله أنه استهل ما أسمه بـ "طريقه الجهاد" بأنه كان مدرباً على الصواريخ المضادة للدروع في الجيش السورى النظامى وأنه كان متفوقاً فى هذا المجال" وأوضح أنه كان وما زال لديه "لياقة بدنية عالية وخبرة فى قتال الشوارع والمدن وبأمور عسكرية كثيرة" لكن ما دفعه لتركيز جهوده فى "الجهاد الإعلامى"، بعض القادة والشيوخ بعد أن شاهدوا عمله كإعلامى منذ خمس سنوات شجعوه وساعدوه وبل طلبوا منه الاستمرار فى هذا النهج، وذلك بحسب وصفه.
النموذج السابق يوضح كيف أصبح ما يسمى بـ"الجهاد الإعلامى" أمر هامًا يدرك كل المتطرفين أهميته لذا ليس غريبًا أن نجد جماعة إرهابية مثل أنصار السنة "أكناف بيت المقدس" تصدر بيانًا تؤكد فيه إنشائها لما أطلقت عليه "مؤسسة الجهاد للإنتاج الإعلامى" موضحة أهدافها التى تخدم مصالحها التخريبية والهادمة للمجتمع ومساعدتها فى الترويج لأعمالها المخالفة لكل قواعد الدين الحنيف.
أيضًا ليس غريبًا أن نجد عبر شبكة الانترنت العديد من المواقع التى تزعم أنها إسلامية تكتب عن مفهوم "الجهاد الإسلامى" من أجل غرس تلك الأفكار المسمومة فى عقول الشباب من خلال خلط الجيد بالسيئ والتلاعب بتفسير الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية الشريفة من أجل التدليس وتوصيل مفاهيمهم المغلوطة.
ومن الأمور الأخرى الذى يجدر الإشارة لها فى هذا المضمار أنه 1 أغسطس 2016 عندما تم الكشف عن أحراز قضية "كتائب أنصار الشريعة" وجد المحققون أن الإرهابيين كان بحوزتهم كتب عن أساليب خداع المحققين، وبعيدًا عن محتواه فإنه يظهر على غلافه صورة لشخص ملثم يحمل بندقية، وكتبت عبارة "كتيبة الجهاد الإعلامى– يوليو 2007"، وشعارها كان عبارة عن بندقيتين متقاطعتين يتوسطهما عبارة التوحيد "لا إله إلا الله محمد رسول الله"!.
ما سبق كله يؤكد على أن مفهوم "الجهاد الإعلامى" يجب مواجهته بشكل حاسم وأن يتم التصدى لتلك الأفكار الهادمة مثلما فعل مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أى أنه قام بدراسة وتحليل الحالة الإعلامية للتنظيم الإرهابى فى الوقت الحالى للتعرف على طريقة تفكير أعضائه وقياداته من أجل التصدى لهم فى المستقبل وحماية النشء والشباب من الوقوف فى فخ أفكارهم المتطرفة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة