فى خطابه أمام البرلمان، عقب أدائه اليمين الدستورية، ألقى الرئيس عبدالفتاح السيسى كلمة تناول فيها النقاط الأساسية لما تتجه إليه الدولة، حيث أكد استمرار الإصلاح، ووعد بقرب جنى الثمار، ووضع الصحة والتعليم والثقافة على رأس الأولويات، وهى بالفعل أهم ملفات المستقبل.
الرئيس أشار بشكل واضح إلى ما أسماه «خلق مساحات مشتركة لتحقيق التوافق والسلام المجتمعى وتحقيق تنمية سياسية.. مصر للجميع، وأنا رئيس لكل المصريين من اتفق معى أو من اختلف».
تشكل هذه الجمل الأخيرة مركز الانطلاق المطلوب بالفعل فى المرحلة المقبلة لاستعادة واقع سياسى، يحل مكان فراغ تبتعد فيه السياسة وتحل الاستقطابات. كان الرئيس واضحا فى قوله إن الجميع مدعوون إلى المساحات المشتركة باستثناء من اختار العنف والإرهاب.
ومع أهمية التنمية الاقتصادية والتركيز على التعليم والصحة كملفات أساسية، تعانى من تراكمات ومشكلات مزمنة طوال عقود، فإن التنمية السياسية وإحياء واقع سياسى طبيعى، يمثل جناحا ضروريا للتنمية الاقتصادية، فالسياسة هى التى تملأ الفراغات وتتعامل مع المزاج العام والجمهور.
ويتجه الذهن عند أى حديث عن السياسة إلى الأحزاب التى تظل مجرد «أعداد فى الليمون»، لدينا أكثر من مائة حزب يصعب تذكر عشرة منها على أقصى تقدير، والتمييز بين حزب وآخر أو برنامج ونظيره.
الجمود والغياب عنوان الحياة الحزبية والسياسية، والسؤال: «هل يمكن بناء هذه المساحات المشتركة التى تحدث عنها الرئيس بقرار سياسى، أم يترك المجال لهذه الأحزاب لتنمو نموا طبيعيا.
فى كلا الحالتين يظل هناك تشابه بين التنمية الاقتصادية والسياسية التى تحكمها مبادئ المنافسة، التى تتيح الجو المناسب لنمو الحياة السياسية. شهدت مصر أكثر من تجربة حزبية، أولها بدأت فى العشرينيات بعد ثورة 1919 وانتهت بإلغاء الأحزاب بعد ثورة يوليو، ثم تجربة الرئيس السادات بإنهاء التنظيم السياسى الواحد ممثلا فى الاتحاد الاشتراكى وتفكيكه إلى أحزاب يسار ويمين ووسط، الوسط مثله حزب مصر، الذى أصبح الحزب الوطنى الحاكم بالأغلبية، وأحزاب الأحرار والتجمع يمينا ويسارا، وساعد الرئيس السادات فى إنشاء حزب العمل الاشتراكى، وظهر حزب الوفد والحزب الناصرى وعدد آخر من الأحزاب الصغيرة التى ظلت بلا وجود أو فاعلية.
استمر الحزب الوطنى حزبا للأغلبية حاكما طوال 30 عاما، وبقيت الأحزاب معارضة، وتآكلت بحكم الزمن والتقادم والصراعات الداخلية، والسياسة ظلت غائبة بمفهومها التقليدى.
بعد 25 يناير وتغيير القانون لتكون الأحزاب بالإخطار، ظهرت عشرات الأحزاب يمينا ويسارا، بقيت مجرد عدد، يصعب التعرف على برامجها أو قياداتها، ونجح بعضها بضمان وجود ظهير مالى أو سياسى، لكنها بقيت فى سياق الغياب السياسى. بعض هذه الأحزاب واجهت الصراعات والانقسامات، وبقيت عند حدود رد الفعل، واختفت أو كادت من خارطة السياسة.
لم يظهر أى حزب يمكنه فتح مجالات العمل السياسى واستقطاب كوادر يمكن أن تشكل قاعدة سياسية.
لم تنجح تجارب صناعة أو تفصيل أحزاب وبقيت الفراغات قائمة، والتجارب السابقة تؤكد أن الأحزاب والسياسة لا تصنع بقرار، لكن السياسة مثل الاقتصاد تحتاج إتاحة الفرصة والمجال بحثا عن مساحات مشتركة أو إدارة السياسة بمفهوم المنافسة وتداول الأفكار والمواجهات. فهل تكون إشارات الرئيس إلى البحث عن مساحات مشتركة بداية لإقامة حياة سياسية تنافسية تسد فراغا قائما؟
هل يمكن أن تبادر الأحزاب بالبحث عن المساحات المشتركة أم تنتظر قرارا لإخراجها من أزماتها؟