وليست أحوال الكوميديا فى دراما رمضان بأفضل من أحوال الأكشن والخلطة الكوكبية للحواوشى، كثير من التوابل تغطى على رائحة المكونات الغامضة للحواوشى والكبدة، لكن الكوميديا طوال السنوات الأخيرة تحولت إلى ما بعد الحواوشى، وإذا كانت المسلسلات العادية تغطى على ضعف السيناريو بمشاهد أكشن ومعارك وخناقات، فالكوميديا تحولت إلى مسابقات فى الإفيهات الغليظة، ونقل إفيهات من مواقع التواصل ليست خفيفة الدم وبذيئة، وحالة من الاستظراف التى تتجاوز السخرية والفكاهة إلى الضجة والبذاءة والإفيهات المكررة.
بالطبع فإننا نلمح كوميديا اجتماعية فى «بالحجم العائلى» الذى يساهم فى نجاحه شخصية يحيى الفخرانى ونجوميته، حيث يقدم دور سفير سابق يعتزل ليمارس الطبخ المهنة التى يحبها ينجح، لكنه أيضا يقوم بعملية «طبخ» لحياته الأسرية ومشكلات أبنائه الذين تشابكت حياتهم، بالحجم العائلى أقرب لأفلام الكوميديا التقليدية أحداث دائرية متشابكة ودائرية، لكنها فى النهاية تعتمد على وجود ممثل بحجم يحيى الفخرانى، يحرص فى كل عام على تقديم عمل جديد، ثم إن بالحجم العائلى يقدم وجها مهما للسياحة المصرية فى مرسى علم وهى ميزة تنتهجها كثيرا الأعمال التركية.
وبدرجة ما يأتى مسلسل عوالم خفية، للفنان عادل إمام وهو عمل درامى عادى نسبة الكوميديا فيه قليلة وهى ميزة، لأن الإفراط فى الإفيهات والحركات تنتهى بالعمل، لأن يصبح مهلهلا مثل باقى وجبات الكوميديا، ولذلك فإن عادل غمام بالفعل يقدم عملا معقولا وإن كانت أحداثه تشعبت وانتقلت من الفكرة الأساسية إلى تكرار لصفحات الحوادث اليومية.
أما باقى الأعمال التى ترفع شعارات أنها كوميدية، تتسابق فى زغزغة المشاهد بكل السبل والطرق، تجمع إفيهات وألفاظا وحركات، وكاركترات وتنسى السيناريو والحوار، ظاهرة إعادة تدوير واستعمال الكاركتر، وبعد أن كان هناك بيومى واحد انتشرت «الظاهرة البيومية»، وظهرت كاركترات تعيد إنتاج وتدوير الإفيهات من دون البحث عن أى صيغة درامية، مع الحرص على تجميع إكبر قدر من الإفيهات والجمل والعبارات المستهلكة. وحتى تجارب مثل مسرح مصر تحولت تحت التكرار والإعادة إلى تجارب تزدحم بالضجيج والإفيهات الغليظة، وسقطت الحواجز بين البرامج الفكاهية والمسلسلات، وتم تحويل البرامج إلى حلقات بنفس الشكل والقالب، وحتى النجوم الذين ظهروا فى مواقع التواصل تحولوا إلى نماذج مشوهة مستهلكة فى الإفيهات، ويبدو أن النماذج التى تظهر فى مواقع التواصل ربما لا تكون مناسبة للتليفزيون، مع الأخذ فى الاعتبار غياب النصوص التى يمكن الاعتماد عليها لإخراج إمكانات الممثلين، فبيومى أظهر إمكانات كبيرة لكنها غرق فى خضم الإفيهات والتكرار والكاركتر.
فى التسعينيات سادت ظاهرة المضحكون الجدد، وأنتجت كوميديانات مثل محمد هنيدى وعلاء ولى الدين ومحمد سعد وأحمد حلمى وكريم عبدالعزيز، لكن مع الوقت تراجعت الظاهرة من التكرار، واستقر كل ممثل عند وضع معين فى الكوميديا، وسواء فى موسم رمضان الماضى، أو الحالى تسود أعمال الاستظراف والتكرار والإفيهات الغليظة، والثنائيات التى تحاول زغزغة المشاهد بالكثير من الإفيهات والادعاءات والاستظراف الغليظ.